تراجع اهتمام المستثمرين السياديين في الشرق الأوسط بالأسهم، وعيونهم تتجه نحو بدائل الدخل الثابت وأوروبا
تنظر البنوك المركزية إلى الذهب كبديل محتمل للديون ذات العوائد السلبية
التغيّر المناخي مصدر قلق متزايد، لا سيما بين مستثمري الشرق الأوسط وآسيا
أصدرت إنفيسكو اليوم دراستها السنوية الثامنة حول إدارة الأصول السيادية العالمية؛ وهي دراسة شاملة تعرض آراء 139 من كبار مسؤولي الاستثمار ورؤساء فئات الأصول وكبار واضعي استراتيجيات المحافظ الاستثمارية في 83 صندوقاً سيادياً و56 بنكاً مركزياً، يديرون معاً أصولاً بقيمة 19 تريليون دولار أمريكي.
تكشف الدراسة أن عدة صناديق سيادية، بما فيها صناديق الشرق الأوسط، كانت في وضع مواتٍ لمواجهة أزمة كوفيد-19، بفضل انخفاض القيم وفائض السيولة النقدية الذي حوّل الأزمة إلى فرصة شراء غير مسبوقة.
ولأن هذه الصناديق قيّمة على رأس مال طويل الأجل، فقد استفاد معظمها أيضاً بسبب عدم وجود ضرورة للبيع لتلبية عمليات السحب.
كما ساهمت التغييرات التي قامت بها هذه الصناديق واستفادتها من دروس الأزمة المالية العالمية في تعزيز وضعها في السوق، بما في ذلك قدرتها على بناء احتياطيات نقدية كبيرة، وإدخال تحسينات تنظيمية على إدارة السيولة.
وفي عام 2019، أشار 75% من المستثمرين السياديين في الشرق الأوسط إلى تخطيهم للأهداف المقرّرة. لكن الحذر كان سمة هؤلاء المستثمرين حتى قبل أن تتأثر الأسواق بجائحة كوفيد-19.
وفي نهاية 2019، بلغ متوسط مخصصات الأسهم كنسبة إجمالية من المحفظة 16%، مقارنة مع 34% للبدائل غير السائلة و32% للاستثمارات الاستراتيجية غير المباشرة.
أما على الصعيد العالمي، فقد وصل متوسط مخصصات الأسهم إلى أدنى مستوياته منذ عام 2013، سواء بالمقارنة مع الدخل الثابت أو كنسبة إجمالية من مخصصات الأصول، وذلك بنسبة 26% للأسهم مقابل 34% للدخل الثابت.
وجاء هذا الابتعاد عن الأسهم جزئياً نتيجة مخاوف نهاية الدورة الاقتصادية التي أدت إلى انخفاض المخصصات الاستراتيجية.
وفي نظرة الصناديق السيادية في الشرق الأوسط إلى المستقبل، فإن 43% منها يتوقع زيادة مخصصات الأسهم خلال الأشهر الـ 12 المقبلة بقيم أقل، ويخطّط 29% منها لتخفيض مخصصات الأسهم.
المستثمرون يتجهون إلى قطاع الدخل الثابت، لا سيما البدائل غير السائلة
تخطط الصناديق السيادية في الشرق الأوسط لمواصلة الاستثمار في الدخل الثابت خلال الأشهر 12 المقبلة، حيث يسعى 57% منها إلى زيادة مخصصات الدخل الثابت، و43% إلى زيادة مخصصات البنية التحتية، و50% إلى زيادة مخصصات الأسهم الخاصة.
وتواصل الصناديق السيادية في الشرق الأوسط إظهار رغبتها بتوسيع المخصصات البديلة للدخل الثابت.
ويضم كثير منها فرق عمل داخلية مؤهلة جيداً لاختيار هذه الاستراتيجيات، وإدارتها داخلياً في بعض الحالات.
حيث بلغت مخصصاتها 86% للعقارات، و71% لديون البنية التحتية، و71% للسندات المدعومة بالأصول/الائتمان المهيكل.
وتحظى ديون الأسواق الناشئة بجاذبية واسعة بين المستثمرين في المنطقة، حيث أشار 71% من المشاركين في الدراسة إلى وجود مخصصات لهم في ديون الأسواق الناشئة.
وقالت زينب الكفيشي، مديرة الأعمال المؤسسية في الشرق الأوسط وأفريقيا لدى شركة إنفيسكو: "نشهد حالياً توجه المستثمرين نحو الأصول الائتمانية غير التقليدية إلى حد ما، كالاستثمار في ديون الأسواق الناشئة، في إطار سعيهم لتنويع المحافظ من أجل تعزيز العوائد.
وقد أصبحت الأسواق الناشئة سهلة الوصول وأكثر تطوراً؛ مما يقود إلى زيادة مستوى الاهتمام بها".
كما عززت جائحة كوفيد-19 التوجه الحالي نحو مشاريع البنية التحتية من خلال فتح الأبواب لفرص الاستثمار في المشاريع المتعثرة. وقد رأى مستثمرون عديدون أن استثمارات البنية التحتية باهظة الثمن بسبب رأس المال الكبير الذي يُستثمر في صفقات محدودة. لكن البعض يرى في الوضع الحالي فرصة للاستفادة من المعروض للبيع في قطاعات فرعية، كالمطارات.
وقد أشار تقرير الصناديق السيادية في الشرق الأوسط إلى أن أصول البنية التحتية شهدت أعلى مستوى من الاهتمام في قطاع الاتصالات (78%) والمطارات (56%).
ومن المرجح أن تتجه الصناديق السيادية في الشرق الأوسط إلى عقد الصفقات في أوروبا، حيث زاد الانكشاف على أسواق أوروبا الناشئة بنسبة 38%، وعلى أسواق أوروبا المتقدمة بنسبة 38%.
وتعليقاً على ذلك، قالت السيدة الكفيشي: "أدت اضطرابات السوق في شهري مارس وأبريل إلى انخفاض كبير في أسعار الأصول، لا سيما وأن بعض المستثمرين باعوا أوراقهم المالية لتوفير السيولة، مما أتاح الفرص لزيادة الانكشاف على ’الشركات الممتازة‘ بأسعار مناسبة جداً".
التغيّر المناخي مصدر قلق متزايد يدفع المستثمرين إلى زيادة التركيز
كشفت الدراسة أن 83% من البنوك المركزية والصناديق السيادية على الصعيد العالمي تعتقد بضرورة اتخاذ إجراءات فورية للتصدي للتغير المناخي، ويُترجم ذلك أكثر فأكثر في استراتيجيات استثمارية تتعامل مع إدراج المخاطر المناخية كجزء لا يتجزأ من عملية الاستثمار الأوسع.
ويعدّ تزايد عدد الكوارث الطبيعية أكبر مصدر للقلق على الصعيد العالمي. وبما أن المستثمرين لا يأبهون كثيراً إلا بالمخاطر التي تهددهم بشكل مباشر، فإن وجهات النظر تختلف كثيراً باختلاف المنطقة. ويُعتبر المستثمرون الغربيون هم الأكثر وعياً بقضية الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون، نظراً لعدد الشركات الكبير الذي انكشف على قطاع المعادن والتعدين وشركات النفط والغاز المدمجة والتنقيب عن النفط.
بينما يعتبر 85% من المستثمرين في آسيا و77% من المستثمرين في الشرق الأوسط أنهم متأثرون نسبياً بالتغير المناخي، أكثر بكثير من الغرب (33%).
وسلط مستثمرو الشرق الأوسط الضوء على مخاوفهم بشأن المخاطر المناخية، مثل التغيرات في الطلب على النفط وارتفاع درجات الحرارة ونقص إمدادات المياه.
جائحة كوفيد-19 تجذب الاهتمام إلى الذهب
لاحظت دراسة هذا العام أن البنوك المركزية ومجموعة صغيرة، ولكنها مهمة، من الصناديق السيادية العالمية بدأت تزيد من مخصصاتها للذهب، التي بلغت وسطياً 4.8% من إجمالي المحافظ الاحتياطية للبنوك المركزية، مقارنة مع 4.2% في عام 2019، وأشار نصف هذه البنوك تقريباً (48%) إلى أن الميزة الأساسية في ذلك تكمن في كونها فرصة بديلة للديون ذات العائد السلبي. وكان ذلك هو الدافع الرئيسي للانتقال إلى الذهب، بدلاً من الدوافع المعتادة كالتنويع والعوائد، باعتبار الذهب أداةً جيدة للتحوّط ضد مخاطر التضخم.
وفي حين تتعامل البنوك المركزية غالباً مع الذهب بمخصصات محددة مسبقاً، إلا أن الصناديق السيادية نادراً ما تقوم بتحديد هذه المخصصات بشكل مسبق.
ويعتبر الذهب بالنسبة لصناديق سيادية كثيرة وسيلة فعّالة للتحوّط ضد مخاطر التضخم وغيرها من المخاطر المالية، لأنه يحافظ على آفاق إيجابية عند سيناريوهات الإقبال على المخاطر، لكنه قلما ينطوي على آفاق سلبية عند سيناريوهات الحذر من المخاطر.
وتقوم أربعة أخماس البنوك المركزية التي اختارت زيادة مخصصات الذهب، بتمويل هذا الانتقال من الأصول الدولارية المتوفرة لديها، أكثر بكثير من أصول اليورو والجنيه الإسترليني.
وهذا يسلط الضوء على مشكلة رئيسية تواجه البنوك المركزية التي تتطلع إلى تنويع هذه الموجودات دون التضحية بالسيولة وقابلية التحويل.
وقد برز هذا الاتجاه بشكل خاص في بنوك الأسواق الناشئة، حيث اعتمد 90% منها تقريباً على مخصصات الدولار الأمريكي لتعزيز احتياطيات الذهب.
وهناك العديد من الخيارات المتاحة أمام الصناديق السيادية التي تستثمر في الذهب، فرغم أن بعضها لا يزال يستخدم سبائك الذهب، إلا أن أمامها الأن أساليب إضافية أكثر مرونة.
وتُستخدم العقود الآجلة من قبل 40% من المستثمرين السياديين في الذهب، حيث أشار المشاركون في الدراسة إلى المرونة والعوائد التي يحقّقها التداول الذكي. وفى الوقت نفسه، فإن 40% من المستثمرين السياديين في الذهب زاد انكشافهم على مختلف الصناديق المتداولة للمتاجرة بالذهب.
وازداد اعتماد هذه الأساليب كثيراً في السنوات الأخيرة، لتصل إلى 80% خلال العام الماضي وحده**. كما تشكّل صناديق الاستثمار المتداولة خياراً آخر للبنوك المركزية.
وتزداد جاذبية صناديق الاستثمار المتداولة بالنسبة للبنوك التي تتطلع الى زيادة الانكشاف دون إضافة كبيرة في الموجودات المحلية، أو تحمّل مخاطر الائتمان للبنوك المتخصصة بالسبائك الذهبية.
إضافة إلى ذلك، فإن صناديق الاستثمار المتداولة تعتبر وسيلة مقبولة أكثر من الناحية السياسية لتداول فئات الأصول، نظراً للتحديات السياسية المحتملة للمتاجرة بالذهب.
وعقّبت السيدة الكفيشي بأن "عدداً من الصناديق السيادية في المنطقة بدأ بإيلاء هذه القضايا اهتماماً متزايداً من خلال الالتزام على مستوى جميع أقسام المؤسسة والدخول في عضوية الهيئات الدولية والمبادرات التي ترعاها الحكومات.
وبينما تتضح للعيان أعمال بعض من كبريات الصناديق في هذا الصدد، فإن هذه الالتزامات في كثير من الحالات تستغرق بعض الوقت حتى تصبح جزءاً من عملية الاستثمار الفعلي".
عقبات أمام تبني المزيد من اعتبارات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية
رأى المشاركون في الاستطلاع أن القوانين تقدّم مبادئ توجيهية واضحة للشركات، إلا أنها تفتقر غالباً إلى مبادئ توجيهية عملية للمستثمرين.
وتعالج بعض البنوك المركزية هذه المسألة، لكن كثيرين يرون أن زيادة المشاركة تتطلب إعادة هيكلة التفويضات والسياسات كي تأخذ باعتبارها مخاطر التغيّر المناخي، إلا أن بعض الدساتير تحظر على البنوك المركزية القيام بذلك.
كما تستدعي الحاجة وضع مبادئ توجيهية واضحة للصناديق السيادية. لقد اقترح المشاركون ضرورة قيام موظفي القطاع العام بتوضيح التعاريف وأساليب الاعتماد وقيم انبعاثات الكربون لمحافظهم.
وأضاف السيد رينجرو: "يسعدنا أن نرى الصناديق السيادية والبنوك المركزية تواصل إدراج المخاوف المتعلقة بالمناخ في قراراتها الاستثمارية، وتُطور قدراتها لكشف المخاطر المناخية والتخفيف منها.
ويفرض الانتقال إلى الخطوة التالية قبولاً أوسع من صناع السياسات والمستثمرين الآخرين. وإذا أضيف ذلك إلى تبني حلول جديدة ومبتكرة، فقد يُجبر المستثمرون الآخرون على التفكير بشكل جدي بالمخاطر المناخية".