عدم السماح لشركات البناء بالسحب من أموال مشتري العقارات أنقذ هونج كونج من مصير الصين
سلّط إحجام بعض المستهلكين الصينيين عن سداد قروض تمويل شراء المساكن غير المكتملة الضوء على نموذج المبيعات المهيّمن على سوق العقارات الصينية، التي تقدّر قيمتها بتريليون دولار. إذ يتم شراء الشقق قبل ذلك ما بين 18 و24 شهراً من اكتمالها، وتمثّل الوحدات المبيعة قبل بنائها أكثر من 70% من مبيعات المساكن. تُحوّل دفعة الشاري الأولى بمجرد توقيع العقد بالإضافة لأموال القرض العقاري من المصرف إلى حساب ضمان. يحق للمطوّر العقاري نظرياً سحب بعض هذا المال فقط للإنفاق على البناء على أن يحصل على الباقي حين يُسلّم المنزل.
أدى تشديد الشروط الائتمانية خلال العام الماضي لتعثر 28 من أصل 100 مطوّر عقاري، وكان العديد منهم قد سحب أموالاً من حسابات الضمان الخاصة بالمشترين لاستخدامها في أمور أخرى مثل تسديد القروض. لم يتبقَّ لدى المطوّرين المتعثرين أي أموال لإكمال بناء المنازل المبيعة. يتهم المشترون المحبطون الشركات العقارية على امتداد البلاد بسوء استخدام عائدات المبيعات، كما يتهمون المصارف بالإخفاق في حماية قروضهم العقارية.
نموذج مستورد
نموذج البيع المسبق ليس اختراعاً صينياً. فمثل العديد من الممارسات في مجال الأعمال، أتى هذا النموذج من هونغ كونغ، حيث يعود نموذج البيع المسبق الذي تعتمده إلى خمسينيات القرن الماضي. استغرق الأمر حتى منتصف التسعينيات لينتشر نموذج البيع المسبق في البرّ الرئيسي. بالنسبة لشركات البناء؛ يشكل البيع المسبق أداة تحوّط. فإذا اشترى مطوّر عقاري قطعة أرض خلال فورة في قطاع الإسكان، قد لا يعود المشروع مربحاً لدى اكتماله حين تتباطأ السوق. لذا يُعد اعتماد البيع المسبق وسيلة لجني الأرباح مسبقاً. كما يستفيد المستهلكون من نموذج البيع المسبق لأنَّه يتطلب دفعات أولى أصغر.
في حين تلتزم شركات البناء في هونغ كونغ مثل "سون هونغ كاي بروبرتيز" (Sun Hung Kai Properties) بوعودها بتسليم المنازل؛ فإنَّ الشركات على البرّ الرئيسي تنفد أموالها وتهجر مواقع البناء. يأتي هنا دور الحوكمة، إذ كانت هونغ كونغ قد عملت جاهدة طيلة عقود لحماية حقوق المستهلكين. فلا يمكن للمطوّر العقاري أن يعرض عقارات للبيع المسبق إلا في حال كان يمتلك القدرة المالية لإتمام المشروع، مثل حالة الضمان من مصرف على سبيل المثال. أمّا الأموال التي يدفعها مشترو المنازل خلال مرحلة ما قبل البيع؛ فيحتفظ بها المحامون ولا يفرج عنها إلا مع تقدّم عملية البناء.
قصور المراقبة
هنا كان الخطأ الذي اعترى طريقة تطبيق الحكومات المحلية الصينية لنموذج هونجكونج. فلو أديرت الأموال في حسابات الضمان بشكل ملائم لكانت أكثر من وافية لإتمام عملية البناء، حتى لو أفلس المطوّر العقاري. لكنْ لدى شركات البناء نفوذ واسع، فهي من كبار عملاء الحكومات المحلية بفضل بيع الأراضي، ومن كبار عملاء المصارف بفضل قروض الشركات. بالتالي؛ لا تخضع حسابات الضمان لما يكفي من المراقبة، مما يمكّن العديد من شركات البناء من سحب الأموال لتفعل ما تشاء. أثنى شي جين بينغ في زيارة قام بها أخيراً لهونغ كونغ على جمال إطار "الدولة الواحدة بنظامين". إلا أنَّ الأمثلة الملموسة مثل هذه تدفع المرء لتقدير جمال الحوكمة القائمة على القوانين. فما يزال أمام البرّ الرئيسي الصيني الكثير ليتعلّمه من هونجكونج.