كأس العالم للحكومات
عندما توفى الموسيقار الشهير بيتهوفن 1827 ترك سيمفونيتة العاشرة غير مكتملة.. وظلت ما يقرب 200 سنة لم يجرأ أحد على إكمالها، ولكن حين حضرت قمة الحكومات فى دبى استمعت للجزء الذى أكمل السيمفونية وسمعتها بأذنى وكان وراء هذه المعجزة الذكاء الاصطناعى، ولم يكن مستغربا أن نكون فى قمة الحكومات ونستمع لجزء من السيمفونية، لأن الذكاء الاصطناعى الذى أكملها أصبح عنصرًا أساسيا فى أداء أى حكومة ولم يعد مقبولا بأن تعزف أى حكومة أداء أقل من الاوركسترا السيمفونى بل أن عشته فى قمة الحكومات على مدار ثلاثة أيام كانت معزوفة فريدة من دولة الإمارات التى جمعت بين 20 رئيس دولة وحكومة وأكثر من 250 وزيرا وحوالى 10 آلاف مسئول حكومى ليكون أكبر تجمع حكومى أو ما يشبه كأس العالم للحكومات.
وكانت النغمة الأبرز فى سيمفونية قمة الحكومة هى النغمة المصرية، فمصر كانت ضيف الشرف، ورئيس مصر كان الضيف الأبرز والأهم وكانت جلسة الرئيس الرئيس عبدالفتاح السيسى هى أكثر الجلسات حضورا وخلال الاستماع لكلمة السيد الرئيس، كنت أتابع تعليقات الحضور التى عكست فى مجملها حبا واحتراما كبيرا للرئيس المصرى وكشفت عن تقدير متبادل ليس على المستوى الرسمى فقط، ولكن على المستوى الشعبى.
وبذكر النغمات المصرية كان هناك حضور قوى للقوة الناعمة المصرية فى حفل بديع قامت فكرته على إحياء ذكرى زيارة السيدة أم كلثوم الوحيدة لمدينة أبوظبى بدعوة من الشيخ زايد وشدت ريهام عبدالحكيم بنفس الأغانى التى قدمتها كوكب الشرق فى حفلها عام 1971 وسط حضور رفيع المستوى من الوزراء وشيوخ دولة الإمارات.
ثم كانت الجلسة الأهم بالنسبة لى هى جلسة مغلقة مع السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى وعدد من المسئولين المصريين وممثلى كبري الشركات العالمية والصناديق الاستثمارية فى العالم، وفى هذه الجلسة التى كان عنوانها " استثمر فى مصر " تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسى بثقة وشفافية حول التحديات وعناصر الجذب والفرص المتاحة ثم استعرضت الدكتورة هالة السعيد التى تحظى بشعبية كبيرة فى قمة الحكومات وكانت نموذجا مشرفا للمسئول المصرى فى هذه القمة.
استعرضت أهم ملامح عمل الصندوق السيادى المصرى وكيف أنه أصبح ذراعا استثماريا للدولة المصرية يحقق رؤيتها فى جذب الاستثمار الأجنبى وبناء شراكات مع الاقتصاد الخاص المصرى وخلال هذه الجلسة وبعدها فى لقاءات ثنائية لمست رغبة لدى كثيرين فى الوصول للسوق المصرى وبناء شراكة حقيقية لاستغلال الفرص المتاحة فى مصر.
ورغم الأزمة التى نعيشها بين ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة العملة وكل عوامل الإحباط إلا أننى عدت من هذه القمة يملأنى التفاؤل والثقة فى أننا سنعبر الأزمة، فكل من قابلتهم من العرب والأجانب يرون أننا نسير فى الاتجاه الصحيح وأننا سنعبر عنق الزجاجة والمستقبل ينتظر مصر حتى تعود لتكتب من جديد معزوفة تكمل ما سطرته على مدار الأجيال.
إنه لمن الصعب رصد كل ما شهدته وتعلمته من هذة القمة التى شهدت عشرات الندوات واللقاءات والفعاليات ولكن أتمنى أن أنقل لكل من يقرأ هذا المقال الروح التى نجحت القمة فى بنائها بشكل صلب وهى أن التفكير فى المستقبل هو أساس كل الخطط فكلمة المستقبل كانت الكلمة السحرية لكل المناقشات فحين حضرت جلسة بمنتدى الخدمات، فكان الحديث عن ما هى الخدمات ستحتاج الحكومات تقديمها فى المستقبل؟، الحديث عن وظائف المستقبل ومدن المستقبل ومستوى الخدمات الصحية والتعليمية فى المستقبل.
ومن هنا عدت وأنا أعيد ظبط زوايا الرؤية لتوجيه كل الجهد فى الاستثمار إلى الاستثمار فى المستقبل فى دعم القضايا الاستدامة والذكاء الاصطناعى والطاقة المتجددة وعلينا جميعا أن نتعلم لغة المستقبل حتى نستطيع الحديث مع العالم السنوات القادمة.