كيف تنعكس اضطرابات البحر الأحمر على قناة السويس؟ القصة الكاملة
في التاسع عشر من شهر نوفمبر 2023 كان موعد انطلاق شرارة التوترات في البحر الأحمر قرب بابا المندب وانذار بتداعيات محتملة على قناة السويس التي يعبر بها 12% من التجارة العالمية المنقولة بحرًا، حين أعلنت جماعة الحوثيين اليمنية احتجاز سفينة شحن السيارات "جلاكسي" وهي مملوكة جزئيًا ارجل الأعمال الإسرائيلي وتديرها شركة "نيبون يوسن كيه كيه" اليابانية.
توالت منذ ذلك اليوم الهجمات الحوثية على العديد من السفن التجارة أثناء عبوره باب المندب، وقدرت هيئة قناة السويس عدد السفن التي استهدفتها الهجمات ب 19 سفينة، وبررت الجماعة اليمنية هذه الهجمات بأنها تستهدف السفن الإسرائيلية أو السفن المتوجهة إلى موانئ الكيان لإسرائيلي خاصةً ميناء إيلات، وذلك تضامنًا مع أهل غزة ولحين توقف العدوان الإسرائيلي عليها وفك الحصار عنها.
وتطورت الأحداث خلال الأيام الأخيرة حتى شن تحالف تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانية غارات جوية ليلية على مواقع في اليمن أعلنت أنها تخص مراكز القيادة للحوثيين ومنصات إطلاق الصواريخ ومطارات وميناء الحديدة التي تسيطر عليه الجماعة اليمنية، وهو ما يعزز التوقعات باتساع رقعة الصراع بالمنطقة.
موقف خطوط الشحن العالمية
على إثر الهجمات الحوثية، أعلنت أكبر شركات الشحن العالمية بقيادة شركات «ميرسك» الدنماركية و«هاباغ لويد» الألمانية و«سي إم آ سي جي إم» الفرنسية و«إم إس سي» الإيطالية ـ السويسرية في الأيام الأخيرة تعليق عبور سفنها البحر الأحمر حتى إشعار آخر أو حتى يصبح الممر البحري آمنًا، وهو ما يعني انخفاض السفن التي تعبر قناة السويس.
فيما قررت شركة شحن الحاويات التايوانية «إيفرجرين التوقف مؤقتًا عن قبول البضائع الإسرائيلية بأثر فوري وأصدرت تعليمات لسفن الحاويات التابعة لها بتعليق الملاحة عبر البحر الأحمر حتى إشعار آخر.
وأضافت «إيفرجرين» أن السفن الموجودة في الخدمات الإقليمية لموانئ البحر الأحمر ستبحر إلى المياه الآمنة القريبة وتنتظر إشعارا آخر، بينما ستتم إعادة توجيه سفن الحاويات التي من المقرر أن تمر عبر البحر الأحمر حول رأس الرجاء الصالح لمواصلة رحلاتها إلى الموانئ.
فيما أعلنت شركة النفط البريطانية العملاقة ««بريتيش بتروليوم» (بي بي) تعليق عبور جميع سفنها في البحر الأحمر مؤقتًا، في أعقاب قرارات مماثلة صدرت عن عدد من كبرى شركات النقل البحري في العالم.
وأفادت وكالة "بلومبرج"، الجمعة الماضية، بأن ثلاث شركات ناقلات نفط كبيرة على الأقل تدير فيما بينها ما لا يقل عن 350 سفينةتوقفت عن إرسال سفنها عبر جنوبالبحر الأحمر، في دليل على بمجموعة بيمكو" التجارية، إنه في حالة احتدام الموقف، ينبغي توقع أن تتجنب كافة السفن عبور البحر الأحمر حتى عودة العبور الآمن وتجنب عبور السفن قناة السويس عمليًا عدا السفن التي لا تمر عبر البحر الأحمر.
ارتفاع تكلفة التأمين على السفن العابرة بالمنطقة
أدت التوترات التي تشهدها باب المندب إلى توسيع لجنة الحرب المشتركة، التي تضم أعضاء نقابيين من رابطة سوق لويدز وممثلين من سوق شركات التأمين في لندن، نطاق المنطقة التي تعتبرها عالية المخاطر في البحر الأحمر وسط تصاعد الهجمات على السفن التجارية هناك..
وأشار بيان للجنة، التي تحظى بمتابعة عن كثب وتؤثر على اعتبارات الشركات بشأن أقساط ورسوم التأمين، إلى أنه تم توسيع منطقة الخطورة العالية إلى 18 درجة شمالا من 15 درجة شمالا سابقا.
وبحسب ما نقلته وكالة "بلومبرج" عن مشاركين في السوق، ارتفعت تكلفة التغطية إلى نحو 0.5% من قيمة هيكل السفينة، بزيادة حادة مما كانت عليه في وقت سابق من هذا الشهر بين 0.1% و0.2%.
وتُحدد رسوم التأمين ضد مخاطر الحرب عمومًا كنسبة مئوية من قيمة السفينة خلال الفترة التي تعمل فيها السفينة في المناطق الخطرة، وارتفعت هذه الرسوم أكثر من عشرة أضعاف عما كانت عليه قبل تصاعد الهجمات بشكل جدي.
على إثر الهجمات ارتفعت تكلفة شحن البضائع بشكل ملحوظ مع استمرار شركات الشحن العملاقة في تجنب طريق البحر الأحمر الرئيسي، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار الشحن بنسبة 80% في الأسبوع الأخير من شهر ديسمبرالماضي، بعد أن ارتفعت بالفعل بنسبة 50% تقريبًا في الأسبوع السابق، طبقًا لتقرير نشرته "سكاي نيوز" البريطانية.
وهناك تكاليف إضافية تتحملها شركات الشحن عند سلوك طريق رأس الرجاء الصالح والدوران حول أفريقيا بدلًا من عبور قناة السويس، حيث تزيد مدة الرحلة إلى ما يصل إلى أسبوعين من وقت بدء الرحلة، ومن ثم ترتفع تكاليف الوقود وإيجار السفن.
انتظام الملاحة بقناة السويس رغم تراجع أعداد السفن
ووسط هذه التطورات الإقليمية، ما زالت تحافظ قناة السويس على انتظار حركة الملاحة من الإتجاهي، وقد نفى الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، الجمعة الماضية، ما تردد في الأوساط الملاحية عن تعليق الملاحة بصورة مؤقتة نتيجة تطورات الأوضاع في منطقة باب المندب، مؤكدًا في بيان رسمي أن القناة تقدم خدماتها الملاحية بصورة طبيعية.
وشهدت قناة السويس، أمس السبت، عبور 44 سفينة، بإجمالي حمولات صافية قدرها 2.3 مليون طن.
كما صرح "ربيع" بأن الفترة من أول يناير إلى 11 من الشهر نفسه انخفض عدد السفن التي تعبر القناة بنسبة 30%، بينما تراجع العائد الدولاري بنسبة 40%، رغم أن عدد السفن التي تعرضت للاستهداف 19 سفينة فقط.
وتجري قناة السويس مباحثات مع خطوط الشحن الدولية حول سياسات الإبحار بالمجرى الملاحي وسط الاضطرابات الإقليمية، إذ بحث رئيس الهيئة، الخميس الماضي، مع كريستين كابو نائب الرئيس التنفيذي للأصول والعمليات بمجموعة "CMA CGM"، تطورات الأوضاع في منطقة البحر الأحمر وباب المندب، ومراجعة سياسة الخط الملاحي الفرنسي تجاه الأوضاع الأمنية في المنطقة.
الفريق أسامة ربيع يبحث مع مجموعة ميرسك سياسة المجموعة تجاه تطورات الأوضاع في منطقة البحر الأحمر.
كما اجتمع الفريق أسامة ربيع، الثلاثاء الماضي، مع ڤينسنت كليرك المدير التنفيذي لمجموعة ميرسك الدنماركية، لتبادل وجهات النظر بشأن الأوضاع الراهنة، واستعراض موقف ميرسك وحرصها على تقييم الأوضاع الأمنية ومراقبة تطورات الموقف بما يمكن معه إعادة تقييم الأمر برمته والذي قد يثمر عن دراسة الشركة لإمكانية وضع جدول زمني يحدد مدى إمكانية عودة عبور السفن التابعة لها للعبور مرة أخرى عبر قناة السويس خلال الفترة القادمة، وفق تطورات الأوضاع وبشكل يضمن العبور الآمن للسفن التابعة للمجموعة.
وأكد الفريق ربيع حرص قناة السويس على تعزيز التواصل مع عملائها وفتح قنوات اتصال مباشرة معهم في ظل التحديات الحالية للوصول إلى نقاط تلاقي تحقق المصالح المشتركة وتخدم المجتمع الملاحي على النحو الأمثل.
وأضاف رئيس الهيئة أن الأوضاع الحالية تظل مؤقتة وهو ما يجعل من التواصل الفعال والتنسيق المشترك الطريقة المثلى لمراجعة سياسات الخطوط الملاحية للإبحار في المنطقة والتي تحدد وفقا للعديد من العوامل من بينهاالعاملالأمني.