الأحد، 22 ديسمبر 2024 10:44 م
رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
بدور ابراهيم
عاجل
مقالات

هل سيصبح «كورونا»بداية لعالم جديد؟

الأحد، 19 يوليو 2020 11:39 م

على مر التاريخ كان هناك صراع دائم بين الحضارات المختلفة للسيادة على العالم، وضعفت إمبراطوريات وقويت أخرى، ودائمًا ما كان الصراع يُحسم ويُعلن المنتصر فى أعقاب حدث عالمى جلل يكون بمثابة علامة فارقة بين عهدين مختلفين.

وقبل أن نبدأ فى استشراف المستقبل وإجابة التساؤل: «هل وباء كورونا من الممكن أن يكون الحدث العالمى الجديد.

فملامح النظام العالمى الحالى تتمحور حول:

نظام حكم سياسى ديمقراطى يعتمد على تعددية حزبية يختار فيها الشعب مباشرة من يحكمه ويتنافس فيه االسياسيون بشراسة للحصول على كرسى الحكم باستخدام كل الأساليب الممكنة، أخلاقية كانت أو لا.

اقتصاد رأسمالى حر يعتمد على منافسة شرسة أدت إلى ظهور تكتلات اقتصادية تسمى «الشركات متعددة الجنسيات» تتعدى ميزانياتها وأرباحها وقيمها السوقية الميزانيات والناتج القومى للعديد من بلاد العالم، وإلى تضخم ثروات عدد لا تزيد نسبته عن ١٪ من سكان العالم، وإلى اتساع الفجوة بين هؤلاء وبين شعوب العالم ودوله.

سباق محموم لتطوير الصناعات العسكرية وزيادة الإنفاق العسكرى وحصولها على نصيب الأسد من ميزانيات البحث العلمى على حساب بنود أخرى كالتعليم والصحة، حيث تكون عمليات الإنفاق مدفوعة بالأرباح الهائلة التى تحققها الشركات العملاقة المسيطرة على تلك الصناعات، التى تؤثر بدورها على صناع القرار فى الدول العظمى، ومن ثم النظام العالمي.

العولمة، وهى السمة الأساسية للنظام العالمى مدفوعة بالتطور التكنولوجى الهائل فى مجال الاتصالات، مما جعل العالم كله يتحول إلى قرية صغيرة.

التوسع المطَّرد فى مساحة الحريات الفردية والمطالبة بالمزيد من الحقوق حتى لو كانت تنتقص من حقوق المجتمع والمصلحة العامة.

تكوِّن تكتلات عالمية بقيادة القوى العالمية المسيطرة، مثل الاتحاد الأوروبى ومنظمة التجارة العالمية والإقليمية ومجموعةالـ G7والـ G20وحلف الأطلنطى وغيرها.

وفى تحليلنا لأزمة فيروس كورونا وتقييم أداء دول العالم المختلفة نجد أن أضعفها أداءً هى أقطاب النظام العالمى الحالي، وعلى رأسها الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، وإذا درسنا الأسباب فسنجدها تكمن فى ملامح النظام العالمى الحالى وأسسه، مما يعنى أن هذا النظام فى طريقه إلى الانهيار، ولكن لحدوث ذلك فلا بد أن تكون هناك ملامح لنظام جديد يولد ليحل محل النظام العالمى الحالى الذى شاخ وأثبت عجزه فى مواجهة تلك الأزمة، وتكون ملامح النظام الجديد هى نفسها عوامل نجاح دول أخرى فى التعامل مع الأزمة، وفى حالة تحقق ذلك فهنا فقط نستطيع القول إن وباء كورونا سيكون علامة فارقة أسهمت فى ولادة نظام جديد بأقطاب جديدة.

وأسباب فشل المعسكر الغربى تكمن فى النقاط التالية:

الصراع بين الأحزاب السياسية المختلفة ومحاولتها استغلال الأزمة لتحقيق مكاسب انتخابية، وعدم القدرة على نبذ الخلافات والتوحد أمام المخاطر، وأبرز الأمثلة على ذلك تصيُّد الأخطاء بين ترامب وإدارته من ناحية وأقطاب الحزب الديموقراطى ممثلًا فى محافظ نيويورك ورئيسة مجلس النواب من ناحية أخرى.

ضغوط الشركات العملاقة على صناع القرار فى كيفية مواجهة الأزمة، واضعين نصب أعينهم مصالحهم الاقتصادية دون النظر إلى صالح شعوبهم.

التخلف الواضح فى البحث العلمى لقطاع الصحة مقارنة بالتقدم فى نظيره العسكرى وفى التسليح كنتيجة طبيعية لضعف تمويله مقارنة بالأخير .

ضعف البنية الأساسية للقطاع الصحى رغم التقدم فى المجالات الأخرى، وذلك لإعطاء الأولوية فى موازنات تلك الدول للإنفاق العسكرى وغيره من القطاعات الأخرى بخلاف القطاع الصحي.

رغم أن العولمة الناتجة عن التطور المذهل فى عالم تكنولوجيا الاتصالات وتحول العالم إلى قرية واحدة هى إحدى أهم ملامح النظام العالمى الحالي، فإن أقطاب هذا النظام لم يدركوا أن هذا يعنى أن أى أحداث خطيرة تحدث فى أى بقعة من بقاع العالم لن يمكنهم أن يكونوا بمنأى عنها، فجاء تحركهم فى مواجهة تلك الأحداث متأخرًا.

الرغبة الملحة والتنافس للحصول على أصوات الناخبين جعلا صناع القرار يرضخون للاستجابة للحقوق الفردية حتى ولو كان ذلك على حساب المصلحة العامة.

الفشل الذريع وضعف أداء التكتلات الاقتصادية والأحلاف العسكرية فى مواجهة الأزمة وعدم تقديم العون والمساندة لأعضاء تلك التكتلات (الاتحاد الأوروبى وحلف الأطلنطى ومنظمة التجارة العالمية ومجموعة الـ G8والـG20 وغيرهم).

وإذا نظرنا إلى التجارب الناجحة فسنجد أمامنا الصين نموذجًا، وجاءت أسباب نجاحها فى النقاط التالية:

نظام سياسى قائم على ديكتاتورية الصفوة (وليس الفرد)، ممثلة فى القيادة الجماعية للجنة العليا للحزب الواحد، مما أدى إلى سرعة اتخاذ القرارات والوقوف صفًّا واحدًا لمواجهة الأزمة دون أى حسابات سياسية أو تناحر انتخابي.

نظام اقتصادى جديد (رأسمالية الدولة) قائم على نسب ملكية للدولة غير مسيطرة تمنح للقطاع الخاص حرية الإدارة والفكر والمكاسب المادية دون جشع، ما أدى إلى سرعة اتخاذ قرارات مصيرية سريعة فى مواجهة الأزمة حققت التوازن بين المصلحة العامة للشعب والدولة من جهة، والمصلحة الاقتصادية لتلك الكيانات والشركات من جهة أخرى.

عدم الانسياق وراء السباق المتسارع نحو تطوير الأبحاث العسكرية وزيادة الإنفاق العسكري، والتركيز على التقدم العلمى فى مجالى تكنولوجيا الاتصالات والطب، مما كان له بالغ الأثر فى السيطرة سريعًا على أزمة فيروس كورونا.

رؤية مستقبلية ثاقبة أدركت أن التطور الطبيعى لتقدم تكنولوجيا الاتصالات يكمن فى الاحتفاظ بأكبر كم ممكن من البيانات، حتى إن العصر القادم هو عصر ما يسمى (big data)، وستكون أكثر الدول تقدمًا وسيطرة التى تملك ذلك، ويتضح هذا جليًّا فى الصين التى تمتلك عددًا كبيرًا من الكاميرات (أكثر من ٢٥٠ مليونًا) فى أنحائها، ووفرت هذه الكاميرات قواعد بيانات مهولة سهلت فى سرعة احتواء الانتشار السريع للفيروس والسيطرة عليه.

عدم الانخراط فى تكتلات، سياسية كانت أو اقتصادية، أعطى لها مساحة من حرية الحركة واتخاذ القرارات دون أى التزام تجاه أى جهة على حساب مصالحها.

ونستخلص مما سبق أننا على أعتاب إرهاصات لخلق نظام عالمى جديد مختلف فى معالمه عن النظام القديم، وبالضرورة قد يختلف أقطابه، والعبرة فى من ينجح فى سرعة استشراف تلك المعالم وقدرته على استيعابها وتطوير أنظمته بما يسمح له بالتكيف معها، ويمكن تلخيص تلك المعالم فى ما يلي:

أنظمة سياسية جديدة تعتمد على ديكتاتورية الصفوة، وتقف فى منتصف المسافة بين دكتاتورية الحاكم الفرد وديمقراطية جموع الشعب، وتعتمد فى كفاءتها على تنوع خبرات أفرادها.

أنظمة اقتصادية تحقق التوازن بين فكر القطاع الخاص وكفاءة إدارته وبين استراتيجية الدولة والصالح العام للشعب.

رفع ميزانية البحث العلمى والصحة فى مقابل التسليح، والتركيز على المجالات الطبية لأن الأوبئة والكوارث الطبيعية هى العدو الحقيقى للبشرية .

التركيز على الاستثمار والتطوير فى مجال البنية المعلوماتية والقدرة على تخزين أكبر كم من (big data)والقدرة على استدعائها بكفاءة وسرعة عند اللزوم.

كبح جماح الحريات والنزعات الفردية بعض الشيء، والقدرة على تحقيق التوازن بينها وبين المصلحة العامة دون أن تطغى إحداها على الأخرى.

البعد عن إنشاء التكتلات الإقليمية والتحالفات العسكرية والاقتصادية وتحول العالم إلى كتلة واحدة يساعد بعضها بعضًا بناء على مصالح مشتركة دون التقيد بتحالفات أو تكتلات دائمة وإستاتيكية. (شاهدنا ذلك فى أزمة كورونا، فالصين ساعدت إيطاليا أكثر مما ساعدها الاتحاد الأوروبي).

وختامًا لما سبق، فمن المتوقع أن يكون عالم ما بعد كورونا مختلفًا عما قبله، وأن تميل الكفة لدول مثل الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية لتكون الأقطاب الرئيسية لقيادة العالم الجديد .

فى تحليلنا لأزمة فيروس كورونا وتقييم أداء دول العالم المختلفة نجد أن أضعفها أداءً هى أقطاب النظام العالمى الحالي، وعلى رأسها الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، وإذا درسنا الأسباب فسنجدها تكمن فى ملامح النظام العالمى الحالى وأسسه، مما يعنى أن هذا النظام فى طريقه إلى الانهيار.

رئيس المجلس التصديرى للعقار والرئيس التنفيذى لمجموعة رؤية للاستثمار العقاري