مناعة اقتصادية
المطوِّر أو المستثمر الذي حقق مبيعات جيدة خلال الشهرين الماضيين واستطاع حجز مكان لنفسه في السوق هو المطوِّر الذي لم يتوقف عن التنفيذ وعن العمل بمواقعه خلال الأزمة
مرَّت مصر خلال العقد الأخير بعدد من التحديات والأزمات الاقتصادية، بدأت منذ قيام ثورة 25 يناير ثم ثورة 30 يونيو، وأعقبتهما حالة من الركود العالمي في حركة التجارة، ثم قرارات تحرير سعر الصرف ورفع الدعم التدريجي عن البترول ومشتقاته، وكذلك الكهرباء، ثم أزمة السيول، وآخرها كان التداعيات الاقتصادية العنيفة التي أحدثها فيروس كورونا على مصر وكل دول العالم.
وكما كان لتعاقب هذه الأزمات والتحديات تأثيرات سلبية، فإنها أكسبت الاقتصاد المصري مناعة تزداد مع كل أزمة يعبرها ويصمد أمامها، حتى باتت مصر حاليًّا مُحصَّنة تمامًا من أي أزمات اقتصادية قد تواجهها خلال الفترة القادمة.
ويعود الفضل في تكوين هذه المناعة إلى الإرادة السياسية، وفي ظهرها إرادة شعبية تحمَّلت وساندت الدولة إيمانًا منها بأن الشعب المصري هو المستهدَف من كل هذه الجهود. ولا نغفل أيضًا الإصلاح الاقتصادي والتنموي الذي اتبعته الحكومات المتعاقبة وصولًا إلى حكومة الدكتور مصطفى مدبولي، حيث كانت تلك الحكومات تتحرك -دائمًا- مبكرًا لتسبق الأزمة بخطوات مدروسة تعتمد على العلم، علاوة على التعامل باحترافية مع متطلبات كل مرحلة.
ويأتي الاحتفال الذي نظَّمته مصر مؤخرًا بشأن قرعة بطولة كأس العالم لكرة اليد للرجال الذي احتضنته منطقة الأهرامات ليدل على أن مصر اكتسبت مناعة وأجسامًا مضادة تُمكِّنها من عبور أي أزمة في وقت قياسي، ففي الوقت الذي لا يزال العالم فيه يعاني، تقوم مصر بتنظيم احتفالية كبرى يحضرها ممثلو 32 دولة عربية.
وبالنظر إلى الاجتماعات واللقاءات التي يعقدها الرئيس السيسي بانتظام والافتتاحات المتتالية للمشروعات القومية في كل المحافظات والمدن، فإنه يتأكد للجميع أن قطار الاقتصاد المصري انطلق ولن يتوقف أو حتى يُبطئ من سرعته، وهو ما يفرض على مستثمري القطاع الخاص أن يكونوا على قدر سرعة التعافي الاقتصادي وأن يبدؤوا من الآن في بناء خططهم وفقًا للإيقاع المتسارع لحركة الاقتصاد والعمران والتطوير.
ولعل استمرار مصر في الحصول على قروض وتمويلات من المؤسسات العالمية -كالبنك الدولي أو صندوق النقد الدولي- يكشف ثقة العالم باقتصاد مصر وقدرتها على تخطي الأزمات والتحديات، فهذه المؤسسات الدولية لديها العديد من المعايير والاشتراطات قبل منح أي تمويل، فيجب أن يتمتع المستفيد من التمويل بالجدارة الائتمانية بالحد الذي يبعث الطمأنينة إلى المؤسسات الدولية على أموالها.
ويجب أن نشير هنا إلى أن العديد من مؤسسات التصنيف الدولي قامت بتثبيت تصنيف مصر الائتماني، فهذه هي مؤسسة "فيتش" ثبَّتت تصنيف مصر عند "B+"، وكذلك "موديز" عند "B2"، و"ستاندرد آند بورز" عند "B"، وذلك على الرغم من قيام المؤسسات نفسها بخفض تصنيف غالبية دول العالم، وهو ما يعكس ثقة هذه المؤسسات بالاقتصاد المصري، وهذه الثقة تعود إلى الإصلاحات الاقتصادية والنقدية والمالية التي اتخذتها القيادة السياسية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي وحكومة الدكتور مصطفى مدبولي وخبرات البنك المركزي بقيادة طارق عامر، وساندها الشعب المصري خلال السنوات الماضية، مما أتاح قدرًا من الصلابة والمرونة للاقتصاد المصري يُمكِّنه من التعامل مع التحديات والصدمات الداخلية والخارجية.
وبشكل أكثر تخصصًا وتطبيقًا على القطاع العقاري، فإن المطوِّر أو المستثمر الذي حقق مبيعات جيدة خلال الشهرين الماضيين واستطاع حجز مكان لنفسه في السوق هو المطوِّر الذي لم يتوقف عن التنفيذ وعن العمل بمواقعه خلال الأزمة، فطبيعة القطاع العقاري شهدت تغيرات عدة، والعميل العقاري لم يعد كالسابق يكتفي بالرسوم الهندسية والماكيتات من أجل اتخاذ قرار الشراء، بل تصاعد الوزن النسبي لمعيار حجم الإنجاز في المشروع وقرب موعد التسليم بالنسبة للعميل دون المحددات الأخرى.