المهندس جمال السادات من دبى لـ«أصول مصر»: سأنتقل مع عائلتي قريبًا إلى منزلي بـ«الشيخ زايد».. وطبقت نصيحة والدي بأن «الراجل ما يبقاش راجل إلا لما يمتلك سقف يستره وقبر يندفن فيه»
من قلب عاصمة المال والأعمال العربية "دبي"، وعلى هامش معرضي إكسبو وجيتيكس العالميين، ووسط محفل من رجال الأعمال وصناع النجاح في مجالات عدة أبرزها التكنولوجيا والاستثمار في المستقبل الرقمي.. يلمع نجم قطب اقتصادي مصري يشار له بالبنان كونه مسؤلا عن إحدى كبريات شركات الاتصالات في مصر والعالم العربي، التي تحتل مرتبة متقدمة عالميا، وهو أيضا نجل بطل تاريخي للحرب والسلام، تعلم منه القوة والاجتهاد والصبر والمثابرة والنجاح.. هو رجل الأعمال والرئيس التنفيذي لشركة "اتصالات مصر" جمال السادات، الذي التقته "أصول مصر"، في حوار شيق كشف خلاله الكثير عن حياة والده، وتفاصيل ساعات عصيبة غرزت به منذ طفولته حب الوطن والإخلاص له، والعمل والكفاح. وإلى الحوار:
الرئيس السيسي يتمتع بشخصية ذات قوة وإيمان كبير.. ومراسم جنازة جيهان السادات وتكريمها فاقت التوقعات
جوانب حياتية
المهندس جمال السادات أحد أشهر رواد الأعمال، ويشغل منصب رئيس مجلس إدارة شركة «اتصالات مصر»، كما يرأس مجلس الأعمال المصري الإماراتي، وهو خريج قسم الكيمياء بكلية الهندسة بجامعة القاهرة، وحرص على تنفيذ وصايا والده الرئيس الراحل محمد أنور السادات ونصائحه في العديد من جوانب حياته مما دفعه إلى التميز الدائم.
لم أكن مميزًا خلال الدراسة لأنني نجل الرئيس.. واتمنى تحويل منزلنا بالجيزة لمتحف
قال المهندس جمال السادات إنه على الرغم من أنه كان نجل رئيس الجمهورية في الفترة التي كان يدرس فيها فإنه لم يكن مميزًا بين أقرانه من الطلبة، ففي الوقت الذي كان والده رئيس جمهورية كان راسبًا ويعيد العام الدراسي في المرحلة الإعدادية.
وكشف عن أحد المواقف التي جمعته بوالده عندما كان في المدرسة الثانوية التي كانت تتكون من فصلين للطلاب (علمي وأدبي)، فتم منح إجازة استثنائية للفتيات لزيارة معرض الكتاب، فطلب بالاتفاق مع زملائه إجازة موازية من مدير المدرسة لزيارة المعرض، إلا أن الطلب قوبل بالرفض.
ذهبت أنا ووالدتي إلى قصر الطاهرة للاطمئنان على والدي.. والتقيناه مساء السابع من أكتوبر وكان «هادئًا» للغاية
وتابع: «اتفقت أنا وزملائي على (الزوغان) من المدرسة وزيارة معرض الكتاب، وتم تكليفي من قِبلهم بجلب أتوبيس لنقلنا من المدرسة إلى معرض الكتاب، وفي الطريق رفض غالبية الطلاب الذهاب إلى المعرض، وتم الاتفاق على الذهاب إلى عزبة أحد زملائنا، وقضينا اليوم بالكامل هناك، وعدنا إلى بيوتنا في ميعاد المدرسة».
وأضاف: «كنت عارف إن الموضوع هيوصل لوالدي، فقمت بخطوة استباقية فحكيت له قصة إن المدير رفض يدينا إجازة زي البنات وذهبت أنا وزملائي لمعرض الكتاب ووجدناه مغلقًا فذهبنا إلى عزبة صديقنا، واستمع والدي إلى القصة بهدوء ورد عليا: بس كده غلط».
وعن ذكريات منزل الجيزة الذي عاش فيه الرئيس الراحل مع زوجته الراحلة السيدة جيهان السادات قال جمال السادات: «البيت ده شهد العديد من الأحداث والقصص الخاصة بما قبل حرب أكتوبر وما حدث خلالها وما حدث بعدها، وشهد ذكريات عديدة، وبه مقتنيات شخصية لوالدي، وآمل أن يتم تحويل المنزل إلى متحف».
وأضاف: «بعد رحيل والدي عشت في المنزل مع والدتي وزوجتي، فكانت والدتي ترغب في أن نظل معها، وأمتلك منزلًا في الشيخ زايد تطبيقًا لنصيحة والدي لي أن (الراجل ميبقاش راجل إلا لما يملك سقف يستره وتربة يندفن فيها)، وكنت بأجهز البيت براحتي جدًّا لحساسية والدتي من خطوة إننا ممكن نسيبها ونمشي، ولكن بعد وفاتها بدأت أسرع في تجهيز منزلي للانتقال إليه قريبًا».
وأشار المهندس جمال السادات إلى أن «أنور السادات وجيهان السادات عاشوا فصل من حياتهم في بيت الجيزة، وفيه مقتنيات كتير وبِدل للرئيس، وهناك مقتنيات في مكتبة الإسكندرية، ومنها البدلة التي ارتداها خلال العرض العسكري».
ذكريات نصر أكتوبر
عندما قامت حرب أكتوبر كان عمري 18 سنة وكنت في المدرسة وعرفت من بيانات الراديو
وعن ذكرياته مع نصر أكتوبر قال المهندس جمال السادات: «كنت في المدرسة وقتها وسني 18 سنة، رحت المدرسة كأي يوم عادي وما كنتش أعرف أي تفاصيل، وأما جت الساعة 2:05 موعد الخروج من المدرسة جت العربية، وفي الطريق سمعت الراديو وبدأت أسمع البيانات الخاصة بالحرب».
وتابع: «فور وصولي إلى المنزل وجدت والدتي قلقة على والدي جدًّا رغم ظهورها متماسكة، وكانت تدعو طول الوقت، وكانت الطائرات الحربية تمر فوق النيل ونراها من المنزل، وكلما تمر الطائرات تدعو والدتي بالنصر، ومع القلق روحنا قصر الطاهرة نطمئن، بس ساعتها والدي ما كانش هناك، والتقيت والدي أخيرًا مساء السابع من أكتوبر، وكعادتنا لا نتحدث في أمور تخص العمل، وسألت والدي عن حالته فقال لي كويس، واطمأننت عليه، وكان يومها (هادي جدًّا)، وحاولت أسأل ضباط الحراسة لكن محدش كان عنده معلومة».
لحظة الاغتيال
يوم الاغتيال كنت في فلوريدا ووصلت في اليوم التالي للوفاة
وعن ذكرياته عن يوم اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات في 6 أكتوبر 1981 قال جمال السادات: «وقتها كنت في فلوريدا، وأخبروني أن هناك طائرة صغيرة ستنقلني إلى مطار آخر ومنه إلى مصر، وأعتقد أنني وصلت في اليوم التالي للوفاة، وبعد وصولي إلى المطار ذهبت إلى بيت الجيزة، وكلمني الدكتور فؤاد محيي الدين وأخبرني أنه سيجري تشريحًا للجثمان لشكه في أن أحد حراس الرئيس ضربه، فوافقت وطلبت منه أن أحضر التشريح، فأخبرت والدتي وطلبت هي الأخرى حضور التشريح».
وتابع: «ذهبنا إلى المستشفى، ورفض مدير المستشفى حضورنا التشريح، لكني أصررت على الحضور أنا ووالدتي. مدير المستشفى كان حادًّا ولكني أصررت، وأجريت مكالمة هاتفية مع الرئيس حسني مبارك، وكان النائب في هذا الوقت، وأخبرته بما يحدث، فوافق على بقائنا في المستشفى، وقبل اتصالي بالرئيس مبارك اتصل بي المشير أبو غزالة ليثنيني فقلت له لا يمكن».
وأضاف: «الطبيب أراد أن يجري تشريحًا للجثة لمعرفة نوع الرصاصة، وكان يبكي ويهتز، وكان متأثرًا، ولكني أنا ووالدتي كنا متماسكين، ووالدتي قالت للطبيب: يا دكتور شوف شغلك».
السادات استشهد برصاصة واحدة 7 مم من بندقية روسية .. وطبيب التشريح كان يبكي بشدة
وأوضح: «السادات استشهد برصاصة واحدة، القناص ضرب رصاصة ارتطمت بالرخامة التي كانت أمام والدي ثم اخترقت أسفل القفص الصدري ومرت في جسده حتى وصلت إلى القرب من عنقه، وهذه الرصاصة كما يقال رصاصة قاتلة، وهناك رصاصة مرت من ذراعه وأخرى من رجله، لكنهما لم تحدثا أي ضرر في جسده».
وتابع: «عندما رأت والدتي جثمان الرئيس السادات في المشرحة قبلت رأسه، وأنا أيضًا قبلت رأسه، وكنا نقرأ القرآن طوال وقت تشريح الجثمان».
وأوضح: «الطبيب تمكن بالفعل من استخراج الرصاصة من رقبة والدي، ووضعها في طبق، ورآها خبير المقذوفات الذي قال إنها رصاصة خاصة بالبندقية الروسية 7 مم، وليست من التسليح الخاص بحراسة الرئيس، ولولا هذه الرصاصة لأمكن إنقاذه، وهذه الرصاصة لم تخرج من المدفع الرشاش الذي كان بحوزة الإسلامبولي لأن الرصاص بها 9 مم، ولكنها أصابت سكرتير والدي فوزي عبد الحافظ».
وتابع: «فوزي ألقى بنفسه على والدي لحمايته، وسمع خالد الإسلامبولي يقول له: (اوعى أنت)، ووالدي توفي في هذه اللحظة، هذا المشهد أخبرني به فوزي بنفسه بعد ذلك، حيث عاش بعد هذا الحادث لمدة طويلة، ووالدي توفي».
السيدة جيهان السادات
جيهان السادات أوصت بدفنها بجوار والدي في النصب التذكاري.. والرئيس السيسي استجاب
قال جمال السادات إن والدته الراحلة السيدة جيهان السادات أوصت بأن يتم دفنها بجوار والده، ووافق على ذلك الرئيس عبد الفتاح السيسي.
الرئيس فاجأنا بجنازة عسكرية أشبه بما يحدث في احتفاليات أكتوبر
وأوضح أن الرئيس عبد الفتاح السيسي لم يستجب فقط لوصية والدته، بل فاجأهم بالجنازة العسكرية وتكريمها وترتيبات الدفن، مشيرًا إلى أنه أجرى اتصالًا برئاسة الجمهورية فور وفاة والدته، وتم تحويله فورًا إلى الرئيس السيسي، معقبًا: «قال لي عايز أعمل حاجة تليق بجيهان السادات».
وتابع جمال السادات: «لم أكن أعلم بما سيحدث في الجنازة، واندهشت فور وصوله للضريح»، مشبهًا ما شاهده بما يحدث في احتفاليات أكتوبر، معلقًا: «الجنازة العسكرية ووسام الكمال حاجة ما كناش نحلم بيها»، مشيدًا بشخصية الرئيس السيسي وما يتحلى به من إيمان وقوة.
وأضاف أن والدته كانت تعشق الرئيس عبد الفتاح السيسي، موضحًا أن الرئيس السيسي كان يدعو أسرة الرئيس محمد أنور السادات إلى الإفطار بشكل مستمر، وفي إحدى المرات قالت للرئيس: «أنا عاوزة لما أموت أتدفن جنب أنور»، معلقًا: «قالتها له وهي تضحك ولم تكن مريضة وقتها».
وكانت رئاسة الجمهورية قد أصدرت بيانًا تنعى فيه السيدة الراحلة جيهان السادات، وجاء نصه كالتالي: «تنعى رئاسة جمهورية مصر العربية ببالغ الحزن والأسى السيدة جيهان السادات، قرينة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، بطل الحرب والسلام، التي قدمت نموذجًا للمرأة المصرية في مساندة زوجها في ظل أصعب الظروف وأدقها، حتى قاد البلاد إلى تحقيق النصر التاريخي في حرب أكتوبر المجيدة الذي مثَّل علامة فارقة في تاريخ مصر الحديث، وأعاد لها العزة والكرامة». وأصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارًا بمنح السيدة جيهان السادات وسام الكمال، مع إطلاق اسمها على محور الفردوس.
وأضاف جمال السادات: «تكريم الرئيس السيسي لجيهان السادات وإطلاق اسمها على محور الفردوس ومنحها وسام الكمال لم نحلم به ولم نتوقعه».
وكشف جمال السادات أنه عندما زار الرئيس السيسي هو وشقيقتاه ليعبروا له عن شكرهم وامتنانهم له على تكريمه لوالدتهم واستجابته لوصيتها ودفنها بجوار النصب التذكاري حيث دفن زوجها الرئيس الراحل أنور السادات، فاجأهم برده: «إنت بتشكرني على إيه؟ جيهان السادات وأنور السادات لهم أفضال على مصر».
تعلمت من والدي «الاعتماد على النفس».. ومن والدتي «عمل الخير»
وتحدث نجل الرئيس الراحل محمد أنور السادات عن والدته قائلًا: «كلما أتطلع إلى الأشياء والأعمال الخيرية التي كانت تحرص والدتي الراحلة جيهان السادات على فعلها يزيد حبي واحترامي لها».
وأوضح أن المرض الخبيث تمكن منها في نهاية حياتها على الرغم من إجرائها الكشف الدوري كل عام، فاكتشفت في 2018 إصابتها بالمرض في مرحلته الرابعة، وقررنا السفر إلى الولايات المتحدة للعلاج، لافتًا إلى أنها كانت سيدة مقاتلة وكانت ترفض الاستسلام لهذا المرض.
وتابع: «المرض كان منتشرًا في أجزاء كبيرة من الجسم، ولذا تم إجراء جراحة لاستئصال الأجزاء المصابة، وتم إعطاؤها جرعات من العلاج الكيماوي على المناطق المتبقية، وهو ما أتى بنتائج جيدة»، موضحًا أنها رفضت الاستمرار في الولايات المتحدة واستكملت العلاج في المركز الطبي العالمي.