الأحد، 22 ديسمبر 2024 06:49 م
رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
بدور ابراهيم
عاجل
عقارات

الصين مهددة باتساع نطاق المعارضين من مقاطعي سداد مدفوعات قروض الرهن العقاري

الإثنين، 08 أغسطس 2022 05:24 م

تنذر مقاطعة مئات آلاف الصينيين من الطبقة الوسطى للرهون العقارية السلطات بشرٍّ مستطير، حيث لا تتسامح البلاد مع المعارضة، إلا أن أتت بجرعات صغيرة كما أنها تعتمد على القطاع العقاري كمحرك لنموّ الاقتصاد.

بدأ الأمر برسالة غاضبة من 590 كلمة صاغها شراة عقارات في مشروع "داينستي مانشن" غير المكتمل، بعدما تجاهلت مجموعة "إيفرجراند" الصينية مناشداتهم لإكمال بناء المساكن التي يدفعون ثمنها منذ وقت طويل. هددوا عبرها بأن "كلّ شراة المساكن من ذوي الرهون العقارية سيتوقفون عن السداد" إن لم يُستأنف البناء قبل 20 أكتوبر.

انتشار الإنذار

انتشر هذا الإنذار على امتداد منصتيّ التواصل الاجتماعي الصينيتين "وي تشات" و"دوين"، وسرعان ما أصبح دعوة للتحرك موجّهة لكلّ المتضررين من الفقاعة العقارية الصينية المتراجعة بسرعة. كما باتت الرسالة في غضون أيام نموذجاً تبناه معترضون من شانغهاي إلى بكين، ومن شنجن إلى جنغجاو، حيث نسخ مالكو المنازل مقاطع منها لصياغة دعوات للمقاطعة. واجه أكثر من 320 مشروعاً على امتداد 100 مدينة اعتراضات مشابهة خلال أربعة أسابيع، ما أحدث اضطراباً في الأسواق، وأجبر السلطات على حضّ البنوك وشركات التطوير العقاري لنزع فتيل الاضطرابات.

فضيحة غير متعمدة

وقال أحد المشترين للعقارات في برج من 14 طابقاً تبنيه "إيفرجراند" في مدينة جينجديجنن طلب عدم الكشف عن اسمه لدواعٍ أمنية: "لم نكن نقصد إثارة فضيحة، لكن لم يكن أمامنا أي خيار آخر.. لا نريد إلا الحصول على اهتمام الحكومة المحلية ونأمل أن يتحمّلوا المسؤولية".

إلا أن المعترضين حققوا أكثر من ذلك بأشواط. في ظلّ أهمية المحافظة على الاستقرار الاجتماعي قبيل انعقاد مؤتمر الحزب الشيوعي هذا العام، تمكنت أصواتهم من بلوغ أعلى المستويات. فقد دعا المكتب السياسي للرئيس، شي جين بينج الأسبوع الماضي المسؤولين "للحرص على إنجاز" مشاريع الإسكان، فيما تُمارس ضغوط على البنوك التي تملكها الدولة لتمويل ذلك.

في موازاة ذلك، تدخلت الرقابة لتقمع المعارضة عبر حذف بعض المنشورات وإسكات المعترضين وحظر روابط مشاركة المستندات. لكن يظهر الدعم الواسع وسرعة انتشار القضية أن الصينيين لا يخشون الاتحاد على المستوى الوطني، بالأخص لدى تهديد مساكنهم الغالية على قلوبهم. فيما كانت العقارات السبب الأكثر شيوعاً لإثارة الاعتراض في الصين خلال السنوات الماضية، إلا أن البلاد لم تشهد قطّ مقاطعة منسقة من هذا الحجم، حسب كريستيان غويبيل، الأستاذ في جامعة فيينا الذي يدرس هذا الموضوع.

قال بيل بيشوب، مراقب الشؤون الصينية في مذكرة خبرية حديثة: "لابدّ أن الأجهزة الأمنية قلقة جداً حيال سرعة انتشار هذه الحركة، ليس داخل المدن فحسب، بل على امتداد البلاد أيضاً.. التنظيم العابر للجغرافيا كابوس بالنسبة للحكومة".

كانت الرسالة الأولى التي حملت بصماتٍ باللون الأحمر، ووقّعها أكثر من مئة شارٍ بمثابة ملاذ أخير، بعد فشل كلّ الجهود الأخرى لإتمام البناء. برغم أن الحركة الاعتراضية تفجرت على وسائل التواصل الاجتماعي مع نشر الرسالة في 30 يونيو، فإن غضب مالكي المنازل يتفاقم منذ أشهر.

كتل خرسانية

أدت الحملة على شركات العقارات ذات المديونية المفرطة، التي بدأت في 2020 إلى أزمة سيولة، وأخرجت شركات التطوير العقارية مثل "إيفرغراند" من الأسواق الائتمانية وحرمتها من المال اللازم لإتمام الشقق السكنية. فجأة، بدأت أعمال البناء التي كانت تستغرق في السابق من 12 إلى 18 شهراً، تستغرق سنوات، أو عُلّقت تماماً. تعيّن على الشراة في غضون ذلك الاستمرار بتسديد رهونهم العقارية، وهي إحدى ميزات السوق الصينية، حيث يبدأ العميل بتسديد ثمن الشقة إضافة لدفعة أولى قبل وقت طويل من إنجاز المنزل.

راح مالكو الساكن يحدقون بالكتل الخرسانية الرمادية غير المكتملة ويشاهدون شركات التطوير العقاري واحدة تلو أخرى تتخلف عن سداد ديونها، وبدأوا يتشاورون حول ما يمكن فعله من لإنقاذ استثماراتهم.

لي، هو أحد أولئك الأشخاص، ويقول إن رؤية موقع شقته التي لم تشيد بعد في ووهان كان أشبه بعذاب نفسي، فقد دفع 40% من سعر شقة في مشروع من "إيفرغراند" مستهلكاً كلّ مدخراته التي جمعها خلال سنين عاشها مقتصداً. لم يكن يرى إلا عاملاً أو عاملين مع عدد من الآلات التي تُحدث بعض الهدير، حين كان يزور المجمّع المؤلف من 39 ناطحة سحاب.

قال لي وهو عامل في مجال التقنية بلغ عمره 26 عاماً وطلب عدم كشف اسمه الكامل لأسباب أمنية: "لم أكن أسمع إلا زقزقة العصافير.. إذا تعيّن عليّ دفع رهن عقاري على منزل لن يكتمل بناؤه، أشعر أن كلّ حياتي ستتدمر. هذا يشعرني بالرعب".

الشرارة الأولى

اقترح أحد شراة المنازل في جينغديجنن مع ازياد الإحباط فكرة مقاطعة الرهون العقارية متحدثاً ضمن مجموعة على "وي تشات". لم تكن مثل هذه الخطوة خالية من المخاطر، فأي تخلّف عن الدفع يلحق الضرر بالتصنيف الائتماني للمتخلف ويصعّب عليه شراء عقارات في المستقبل. وجدت هذه الفكرة مع ذلك صدى لدى أشخاص آخرين بعد أن سمعوا عن بعض شراة المنازل الذين قاموا بالأمر نفسه في عدد من مواقع "إيفرغراند". لجأ آخرون إلى موقع "دوين"، وهو النسخة الصينية من "تيك توك"، حيث نشر عديد من المستخدمين الساخطين مقاطع فيديو وصوراً خاصة بهم.

استمرت هذه الأصوات حتى ظهور رسالة جينغديجنن، فبعد توجيه الرسالة إلى السلطات، نشرها المقاطعون على موقع "دوين". وحذا شراة المنازل في عشرات المشاريع الأخرى يومياً، فنسخوا الرسالة ونشروا مطالب مشابهة على الموقع وأيضاً على منصة "ويبو" نظيرة "تويتر". جذبت بعض المنشورات ملايين الإعجابات، وحمّل المستخدمون مقاطع فيديو لمواقع بناء توقف العمل فيها إلى جانب صور وتعليقات حول خلافاتهم مع السلطات المحلية. اكتسبت المطالب جرأة إضافية مع مطالبة الشراة بإنجاز منازلهم في غضون شهر.

أُطلق على هذه الحركة الجماعية المفاجئة وغير المسبوقة تسمية "تينغداي" (tingdai) بالصينية، وهو مصطلح مستوحى من رسالة المقاطعة الأولى التي تعني توقيف البنوك للقروض السكنية. رغم أن مصطلح "دوانغونغ" (Duangong)، الذي يعني التوقف عن تسديد الرهون العقارية يعدّ أكثر دقة، إلا أن مصطلح "تينغداي" استمر بالانتشار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما يظهر مدى تأثير الرسالة الأولى.

حذف المنشورات

تحوّل مستند متاح للمشاركة أشرف عليه محامٍ يستخدم المنصة الإلكترونية "تشيهو" (Zhihu) إلى ساحة لمعركة علنية، فقد سلّط الضوء على حجم الحركة الاعتراضية بإحصائه انضمام مزيد من ملاك المساكن إلى المعركة. سرعان ما اعتمدته شركات الأبحاث والبنوك الاستثمارية الدولية، مثل "سيتي غروب"، التي عولّت عليه لتقييم تأثير المقاطعة. أكّد المحامي أنه أعدّ القائمة، إلا أنه لم يقدم مزيداً من التفاصيل.

تحركت السلطات لقمع التحركات مع تفاقم الحركة الاحتجاجية وتوسعها لتطال موردي أعمال البناء، فحظرت روابط مشاركة المستندات مثل "كي- دوكس" (kdocs) و"وولاي" (wolai)، إضافة إلى منصات خارجية مثل "غوغل دوكس" و"نوشن". ما يزال يمكن الدخول إلى صفحة ويب واحدة على مجتمع "جيت هاب" (GitHub)، ويعود ذلك جزئياً لكون المنصة مهمة لدى عديد من شركات التقنية الصينية.

حُذفت المنشورات التي تتحدث عن كافة المشاريع المتأخرة إضافة لحسابات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بعديد من شراة المنازل الغاضبين. كما أبلغ بعضهم بلومبرغ نيوز أنهم تلقوا اتصالات من الشرطة. قال شخص تلقى تحذيراً من الشرطة للتوقف عن النشر على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث بدأت الحركة الاعتراضية أن معظم الشراة في مشروع "إيفرغراند" "أغلقوا أفواههم".

رفضت عملاقة العقارات "إيفرغراند"، محور أزمة العقارات في الصين التعليق على المقاطعة.

لجأ بعض الشراة لوسيلة الاحتجاج التقليدية عبر التظاهر في الشارع بعد اخضاع الحركة عبر الإنترنت لمزيد من الرقابة. توجهت مجموعة من حوالي 50 شخصاً غير منظمين جيداً في 25 يوليو إلى حكومة المقاطعة في جينغديجنن لمطالبتها بالتحرك. لوّحوا بالأعلام الوطنية من الحجم الصغيرة، ورددوا هتاف: "استأنفوا البناء لاستئناف تسديد الرهون العقارية".

مع تباطؤ الحركة الاعتراضية في ظلّ حملة القمع على وسائل التواصل الاجتماعي، وفيما ينتظر شراة المساكن النتائج الملموسة، يعزّي مناصروها أنفسهم بأن ثورتهم نالت استجابة واسعة. تعهدت السلطات في جينغديجنن بالضغط على "إيفرغراند" لاستئناف أعمال البناء، حسب أحد المعترضين. طلبت حكومة المدينة من أربع شركات تملكها الدولة تولي مشاريع "إيفرغراند" لتسليمها بحلول نهاية 2023، حسب تحديث يعود إلى 8 يوليو نُشر على الموقع الإلكتروني للمدينة. لم تستجب حكومة جينغديجنن وسلطات الإسكان فيها لاتصالات سعياً للتعليق.

إنشاء صندوق لتمويل البناء

يجري بعض النقاش على الصعيد الوطني حول تأجيل سداد دفعات شراة المنازل لحين إتمام أعمال البناء، حسب تقرير من بلومبرج نيوز.

تحثّ الحكومة المصارف على إقراض المطورين العقاريين لإتمام المشاريع، وقد تستولي على الأراضي غير المطورة التابعة للشركات المتعثرة لإتمام البناء، حسب أشخاص مطلعين على المسألة. كما تخطط الصين لإنشاء صندوق مدعوم من المصرف المركزي لتمويل البناء، وفقاً لأشخاص مطلعين على القضية. لم يستجب بنك الشعب الصيني على الفور على رسالة فاكس للحصول على تعليق.

قال غويبيل من جامعة فيينا إن المقاطعة تظهر أن "ثمة علّة فعلية في قطاع العقارات في الصين.. على صعيد الدروس، أعتقد أن الحكومة أميل لتُلقن الشركات درساً من استهداف مالكي المنازل بذلك".

يبقى أن ننتظر لنرى ما إذا ستتوفر كلّ الأموال المنتظرة ومدى سرعة إنجاز الشقق. يأمل مالكو المنازل مثل بيتر الذي اشترى شقة بمليونيّ يوان (296 ألف دولار) في جنغجاو في مايو، بعدما اقترض المال من والديه وادخر لسنوات، أن ينتهي الأمر برمته.

قال: "ألحق بنا المطوّر العقاري ضرراً كبيراً، وكثير من مالكي المنازل محبطون.. كل ما أريده هو أن أستلم شقتي".