تخفيض الجنيه أم رفع الفائدة.. سيناريوهان يحددان مسار الاقتصاد المصري
بينما يترقب المصريون الإعلان عن الفائز برئاسة الجمهورية وسط توقعات بحلول المرشح عبد الفتاح السيسي على ولاية رئاسية ثالثة، يولي متابعو الشأن الاقتصادي عما سيتبع هذه الانتخابات من إصلاحات لوضع الاقتصاد المصري على المسار الصحيح.
هناك أكثر من سيناريو تم طرحه في أورقة الحكومة المصرية والمؤسسات الدولية للتعامل مع الأزمة الراهنة وشح السيولة الدولارية وتفاهم معدلات التضخم وإن كانت تشهد تراجعًا نسبيًا خلال الأشهر الأخيرة.
يتصدر السيناريوهات المطروحة التركيز على استهداف خفض التضخم بعد أن تآكلت القدرة الشرائية للجنيه وعدم التوجه نحو تعويم سعر الصرف ومن ثم تفضيل رفع الفائدة لسحب السيولة من السوق المصرية، وهو ما يتوافق مع تصريحات سابقة للرئيس السيسي بأن تعويم العملة سيلحق أضرارًا بالمواطن، ويتمشى هذا التوجه أيضًا مع التصريحات الأخيرة لصندوق النقد الدولي بأن الأولوية الآن هي التركيز على التضخم.
وفي المقابل هناك سيناريو آخر بتخفيض مرحلي في سعر الصرف في ظل وجود فارق يقترب من 20 جنيهًا بين سعر الصرف الرسمي ونظيره بالسوق الموازية، بل أن البعض يذهب إلى تنفيذ تعويم كامل للتمهيد لعملية الإصلاح الاقتصادي.
وحركت مصر خلال الأعوام القليلة الماضية سعر صرف الجنيه أكثر من مرة، بعد أن كان سعره ثابتا ولسنوات عند مستويات 15.70 مقابل الدولار.
هل نحتاج لتعويم الجنيه الآن؟
قال الدكتور خالد الشافعي، مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية، إن الدولة المصرية لا تحتاج في الوقت الحالي الاتجاه نحو التعويم، لكن هي تحتاج مزيد من الانضباط والمراقبة بشكل جيد على كافة السلع، حيث أن تلك الخطوات أحد البدائل لمواجهة ارتفاع التضخم وسعر الدولار في السوق الموازية.
وأوضح الشافعي، أن عدم مراقبة الأسواق في الأونة الأخيرة كان له تأثير سلبي الأسواق، حيث ظهر مضاربات شديدة من قبل بعض التجار، سواء كان ذلك في سوق العملة أو سوق السلع، حيث تسبب مضاربات تجار العملة في ارتفاعات غير منطقية لسعر صرف الدولار، حيث وصل سعر الدولار في الوقت الراهن لأكثر من 50 جنيه، ويعتبر ذلك السعر غير عادل.
الدولة تحتاج لتقديم المزيد من الإصلاحات والتسهيلات للشركات المصنعة
وأكد الشافعي أن الدولة تحتاج خلال الفترة الراهنة تقديم المزيد من الإصلاحات والتسهيلات للشركات المصنعة وليس للتجار، إضافة إلى الاستمرار في اتفاقيات تبادل العملة.
وأشار إلي أن يوجد عده أسباب ستساهم في عدم تعويم الجنيه خلال الفترة المقبلة، والتي جاءت أبرزها تجديد الإمارات وديعة لديه بقيمة مليار دولار لمدة 3 سنوات لتنتهي في يوليو 2026 بدلًا من يوليو الماضي. إضافة إلى مد أجل وديعة كويتية بقيمة ملياري دولار لمدة عام تنتهي في أبريل 2024.
وأضاف أن تعويم الجنيه المصري بعد الانتخابات الرئاسية سيكون سبب رئيسي في ارتفاع الفائدة بأكثر من 1%.
كما أن السيولة الأجنبية لدى البنوك شهدت خلال الفترة الماضية تحسن ملحوظ، وذلك نتيجة دعم من ارتفاع الأصول وانخفاض الالتزامات، مع انخفاض عجز صافي الأصول الأجنبية لدى البنوك التجارية إلى 15.9 مليار دولار من 16.3 مليار دولار في سبتمبر.
ولفت إلي أنه يوجد أيضًا على الفترة الحالية ضغوط على وضع السيولة الأجنبية للبلاد، حيث اتسع عجز صافي الأصول الأجنبية إلى 27.2 مليار دولار، ارتفاعا من 26.8 مليار دولار في سبتمبر، وفقا لبيانات البنك المركزي. وقد ارتفع عجز صافي الأصول الأجنبية لدى البنك المركزي إلى 11.3 مليار دولار في أكتوبر، من 10.5 مليار دولار في سبتمبر.
كيف سيؤثر التعويم على الشركات؟
ومن جانبه قالت منى بدير، محلل الاقتصاد الكلي، إن الدولة المصرية تحتاج خلال الفترة الراهنة تحريك سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي، حيث أن ذلك بغرض معالجة الاختلالات الهيكلية وهي "الفجوة بين العرض والطلب والتي تؤثر على سعر العملة.
وأشار إلي أن قرار التعويم على الشركات سيؤثر بشكل بسيط جدًا، لأن أغلب الشركات تعمل خلال الفترة الحالية تحوط لسعر صرف الدولار من 38 لـ40 جنيه، حيث أن ذلك السعر لن يكون بعيد في حالة التعويم.
وبدأت معدلات التضخم اتخاذ مسار نزولي منذ أكتوبر الماضي، ومن المتوقع استمراره طبقا لتأثيرات سنه الأساس، وهو ما سيخفف ضغوط ارتفاع الأسعار جراء تحريك سعر الصرف، بحسب بدير.
تراجع معدل التضخم الفترة الماضية يأتي نتيجة إجراءات رفع الدعم
وأوضحت بدير، أن التراجع الذي نشهده خلال الشهريين الماضيين في معدل التضخم يأتي نتيجة إجراءات رفع الدعم، وخاصة على الكهرباء والمتوقع تطبيقه يناير المقبل.
وخفضت مصر سعر عملتها 3 مرات منذ مارس 2022 حتى يناير الماضي، ما دفع الجنيه المصري للانخفاض مقابل الدولار بنحو 25% منذ بداية 2023 وحتى الآن، وبأكثر من 69% منذ مارس من العام الماضي، بداية الأزمة الروسية الأوكرانية.
وكشفت بيانات البنك المركزي المصري، والتي أعلنها أمس الأحد تراجع المعدل الأساسي السنوي للتضخم الأساسي إلى 35.9% في نوفمبر الماضي من 38.1% في أكتوبر.
وكانت قالت مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس"، إن ميزان المدفوعات في مصر يتعرض لضغوط مما يعني أن القاهرة ستضطر إلى إرخاء قبضتها على سعر صرف الجنيه قريبا.
أوضحت، أنه مع تزايد الضغوط على سعر صرف العملة المصرية، التي نزلت دون 50 جنيها للدولار في السوق الموازية الشهر الجاري، فإنه سيتعين على السلطات التحرك سريعا لخفض قيمة العملة بعد الانتخابات الرئاسية الشهر المقبل وذلك لطمأنة المستثمرين وإبقاء الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على مساره الصحيح.
وأشارت إلى أن مصر ما زالت تواجه صعوبات في استقطاب رأس المال لكن إجراء خفض جديد للعملة والتعهد بسعر صرف مرن للجنيه من شأنه حل هذه المسألة. وذكرت، أن الخفض الجديد في قيمة العملة يجب أن يكون مصحوبا بزيادة أسعار الفائدة متوقعا رفع سعر الفائدة بواقع 200 نقطة أساس إلى 21.25%. وقالت إن التضخم، يواصل التراجع متوقعة أن يواصل انخفاضه خلال 2024 حتى في ظل خفض جديد لقيمة العملة.
مورجان ستانلي" يرجح خفضًا مرحليًا للجنيه عقب الانتخابات
رجح بنك مورجان ستانلي خفض مرحلي لقيمة الجنيه على الأجل القصير، بدلًا من التعويم الكامل لسعر الصرف عقب الانتخابات الرئاسية، وإن كانت الرؤية غير واضحة تجاه سياسة سعر الصرف في الفترة المقبلة. قال البنك الأمريكي في تقرير له إن هناك عدة عوامل ستحدد مسار سياسة سعر الصرف، أولها المخاوف بشأن الأثر المحتمل للسياسة الاقتصادية على تكلفة المعيشة والعجز المالي، ومدى اشتراط صندوق النقد الدولي حيال سياسة سعر الصرف المرن رغم التراجع الأخير في لهجة الصندوق حيال هذا الأمر، إلى جانب آفاق الحصول على تمويل إضافي من الشركاء متعددي الأطراف والإقليميين خاصةً بعد زيادة مكانة مصر الجيوسياسية.
وبرأي "مورجان ستانلي" فإن التعديل المرحلي لسعر صرف الجنيه إلى مستويات أقل من سعر السوق الموازية الحالي هو أمر مناسب على الأرجح على المدى القصير، بمجرد عودة التركيز إلى الاقتصاد بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية، ومن شأن هذه الخطوة، إذا ما اقترنت بحزمة أكبر من صندوق النقد الدولي وتمويلات إقليمية ومتعددة الأطراف تصل إلى 7 مليارات دولار، أن تخفف الضغط في السوق الموازية، وتدعم حدوث انتعاش متواضع في التدفقات الأجنبية. ورغم ذلك، حذر التقرير من أنه إذا ما لم يتطور الخفض المرحلي لسعر العملة إلى تعويم حر، أو مُدار، يسمح بشكل دائم بمزيد من مرونة سعر الصرف، ستعاود الضغوط في السوق الموازية والاحتياطات، كما حدث بالمرات السابقة.
ورجح المصرف أن يؤدي التخفيف المتوقع في الظروف المالية العالمية في النصف الثاني من العام، وزيادة التمويل المتعدد الأطراف، إلى تشجيع الحكومة على اعتماد المزيد من المرونة التدريجية حيال سعر الصرف على الرغم من الخوف الواضح من التعويم، مما يمهد الطريق لتحقيق استقرار الاقتصاد الكلي في مصر.
وتوقع "مورجان ستانلي" أن تجدد الحكومة جعودها عقب الانتخابات الرئاسية في مجالات بيع أصول الدولة، وخفض الديون. ومن المرشح أن يعمل المسؤولون على زيادة حجم قرض صندوق النقد الدولي من 3 مليارات دولار إلى أكثر من 5 مليارات دولار.
هيرميس تتوقع رفع الفائدة 200 - 300 نقطة الأسبوع المقبل
وفي المقابل، تتوقع مجموعة إى إف جى هيرميس أن تتخذ لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي خلال اجتماعها نهاية الأسبوع المقبل قرارًا برفع سعر الفائدة بين 200 إلى 300 نقطة أساس، حيث عدلت توقعاتها من التثبيت إلى الرفع نتيجة تصريحات كريستالينا جورجيفا، مديرة صندوق النقد الدولي، الأخيرة. وكانت "جورجيفا" قد كشفت مؤخرًا عن تحول محتمل فى أولويات الصندوق، باستهداف خفض معدل التضخم بدلًا من اعتماد سعر صرف مرن، ستغير من قواعد اللعبة فى السياسة النقدية بمصر.
وذكرت "هيرميس" في تقرير لها أن مواجهة التضخم تحتاج إلى تشديد السياسة النقدية بشكل فوري، لتواكب جهود «المركزى المصرى» فى تخفيف تراكم الطلب على العملات الأجنبية.
وأضافت أن تشديد السياسة النقدية فى ظل معدلات التضخم المتوقعة على مدار الأشهر المقبلة سيدفع سعر «الكوريدور» للاقتراب من الفائدة الحقيقية، بالإضافة إلى منح «المركزى» مزيدًا من الوقت لتقييم الموقف.
ورجحت هيرميس أن يوازن «المركزى» بين تشديد السياسة النقدية وزيادة تكلفة خدمة الدين فى ظل مضاعفة مدفوعات الفوائد بنحو 2.2 مرة فى الربع الأول من السنة المالية -2023 2024.