كيف يؤثر خفض الفائدة على الأموال الساخنة في مصر؟

مع اتجاه البنك المركزي المصري نحو خفض تدريجي لأسعار الفائدة لدعم النمو الاقتصادي، وفي المقابل قيام البنك المركزي التركي برفع الفائدة إلى 46% لكبح التضخم، تتجه الأنظار نحو مدى قدرة أدوات الدين المصرية على جذب الاستثمارات الأجنبية، خصوصًا "الأموال الساخنة".
التحولات المتسارعة في السياسات النقدية بين مصر وتركيا تفتح الباب أمام تساؤلات حول مستقبل شهية المستثمرين الأجانب، الذين أصبحوا أمام مفاضلة معقدة بين عوائد مرتفعة في تركيا ومخاطر مرتفعة، واستقرار نسبي في مصر لكن بعوائد آخذة في الانخفاض.
وكان خفض البنك المركزي المصري أسعار الفائدة بمقدار 225 نقطة أساس، لتصل إلى 25% للإيداع و26% للإقراض، في أول تخفيض منذ أكثر من أربع سنوات. جاء هذا مع تراجع التضخم إلى 13.6% في مارس 2025، من 38% في سبتمبر 2023، لدعم النمو الاقتصادي.
وتعتبر الأموال استثمارية أجنبية تدخل إلى الأسواق الناشئة بهدف الاستفادة من العوائد المرتفعة على أدوات مالية قصيرة الأجل، مثل:أذون الخزانة، السندات قصيرة الأجل، الودائع البنكية بعوائد مرتفعة.
وأشار الخبراء إلى أن خفض الفائدة في مصر، ورغم تأثيره المحتمل على "الأموال الساخنة"، إلا أنه يُعزز توجه الدولة نحو سياسة نقدية مرنة تدعم النمو والاستثمار المحلي.
كما دعاوا إلى التركيز على جذب استثمارات أجنبية مباشرة طويلة الأجل لتقليل الاعتماد على تدفقات رأس المال قصيرة الأجل.
قال محمود جمال سعيد، الخبير الاقتصادي، إن السياسات النقدية المتباينة بين مصر وتركيا في 2025 ستُحدث تأثيرات جوهرية على تدفقات رأس المال الأجنبي، خاصة في أدوات الدين الحكومية.
مصر تتجه نحو خفض تدريجي لأسعار الفائدة لدعم النمو الاقتصادي
وأوضح أن مصر تتجه نحو خفض تدريجي لأسعار الفائدة لدعم النمو الاقتصادي، بينما ترفع تركيا الفائدة للسيطرة على التضخم المرتفع، مما يثير تساؤلات حول جاذبية السوق المصري للمستثمرين الأجانب.
كما أن تأثير خفض الفائدة في مصر على أدوات الدين أشار سعيد إلى أن البنك المركزي المصري يُتوقع أن يخفض أسعار الفائدة خلال 2025 بنحو 100 إلى 300 نقطة أساس، لتصل إلى 24-25%، مدعومًا بانخفاض التضخم إلى حوالي 12% في منتصف العام، مقارنة بـ36% في فبراير 2024.
الخفض سيؤثر على جاذبية أدوات الدين بطرق متباينة
وأضاف أن هذا الخفض سيؤثر على جاذبية أدوات الدين بطرق متباينة أذون الخزانة قصيرة الأجل: أوضح أن أذون الخزانة، التي جذبت المستثمرين الأجانب بعوائد بلغت 27.25% في 2024، قد تفقد جزءًا من جاذبيتها مع انخفاض الفائدة.
وتوقع أن يتحول بعض المستثمرين إلى أسواق تقدم عوائد أعلى، مثل تركيا، مما قد يؤدي إلى خروج محدود للأموال الساخنة. ومع ذلك، شدد على أن استقرار الجنيه بعد تحريره في مارس 2024 سيقلل من تأثير هذا الخروج.
أكد سعيد أن السندات الحكومية طويلة الأجل، مثل سندات الثلاث والخمس سنوات بعوائد تتجاوز 25%، ستشهد إقبالًا متزايدًا.
وأوضح أن المستثمرين يسعون لتأمين عوائد ثابتة قبل أي خفض إضافي في الفائدة، مما يعزز التمويل المستدام للحكومة ويدعم استقرار العملة.
أشار إلى أن استقرار سعر الصرف، واتفاقية صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار، وتوقعات نمو الاقتصاد المصري بنسبة 3.5% في 2025، ستحافظ على جاذبية السوق المصري رغم خفض الفائدة.
وأضاف أن هذه العوامل تجعل مصر وجهة استثمارية مستقرة مقارنة بالأسواق الأخرى.مقارنة مع رفع الفائدة في تركيا أوضح سعيد أن تركيا رفعت أسعار الفائدة إلى 46% في أبريل 2025 لمواجهة التضخم الذي لا يزال مرتفعًا عند 39%.
وقال إن هذا الرفع يجعل أدوات الدين التركية، مثل أذون وسندات الخزانة، أكثر جاذبية للمستثمرين الباحثين عن عوائد مرتفعة. وأضاف أن هذا الوضع يثير تحديات وفرصًا لمصر.
أشار إلى أن الفارق الكبير في الفائدة (46% في تركيا مقابل 24-25% في مصر) قد يدفع بعض المستثمرين لتحويل استثماراتهم إلى تركيا، خاصة في الأدوات قصيرة الأجل. ومع ذلك، شدد على أن هذا التحول سيكون محدودًا بسبب المخاطر العالية في السوق التركي.
أكد أن تقلبات الليرة التركية وعدم اليقين السياسي يجعلان مصر خيارًا أكثر أمانًا. وقال إن استقرار الجنيه والإصلاحات الاقتصادية في مصر تعزز ثقة المستثمرين، مما يقلل من تأثير المنافسة التركية.
توقع أن يؤدي جذب تركيا لبعض التدفقات إلى ضغط طفيف على احتياطيات النقد الأجنبي في مصر. لكنه أوضح أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مثل مشاريع الغاز الطبيعي، والدعم الدولي، سيعوضان هذا الضغط.توقعات أسعار الفائدة في مصر لعام 2025قال سعيد إن البنك المركزي المصري سيتبنى سياسة نقدية مرنة في 2025، مع خفض تدريجي للفائدة لدعم النمو مع الحفاظ على استقرار التضخم.
خفض إضافي بمقدار 100-150 نقطة أساس
وأشار إلى التوقعات التالية: الربع الثاني والثالث: خفض إضافي بمقدار 100-150 نقطة أساس إذا استمر التضخم في الانخفاض، مع التركيز على تحفيز الاستثمار المحلي.
نهاية 2025: استقرار الفائدة عند 23-24%، مع إمكانية تثبيت السياسة النقدية إذا ظهرت ضغوط تضخمية جديدة، مثل ارتفاع أسعار الطاقة العالمية.
وأضاف أن قرارات البنك المركزي ستتأثر بثلاثة عوامل رئيسية: استمرار تراجع التضخم إلى أقل من 10%، قرارات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بشأن الفائدة، ونجاح الإصلاحات الهيكلية في تعزيز بيئة الاستثمار.
وأكد سعيد أن خفض الفائدة في مصر خلال 2025 سيقلل من جاذبية أذون الخزانة قصيرة الأجل، لكنه سيعزز الإقبال على السندات طويلة الأجل، مما يدعم التمويل الحكومي المستدام.
وقال إن تركيا، رغم عوائدها المرتفعة، تواجه مخاطر تجعل مصر وجهة أكثر استقرارًا بفضل استقرار الجنيه وتراجع التضخم. وتوقع أن تنخفض الفائدة إلى 23-24% بنهاية 2025، مع سياسة نقدية مرنة.
وأوصى الحكومة المصرية بتعزيز بيئة الاستثمار عبر حوافز للاستثمار الأجنبي المباشر، مثل مشاريع البنية التحتية، لتقليل الاعتماد على الأموال الساخنة.
كما نصح المستثمرين الأجانب باستهداف السندات طويلة الأجل لضمان عوائد مستقرة، مع مراقبة التطورات في تركيا. وحث البنك المركزي على خفض تدريجي للفائدة مع مراقبة التضخم وتدفقات رأس المال للحفاظ على استقرار الجنيه.
وفي سياق متصل قال الخبير المصرفي هاني أبو الفتوح إن قرار البنك المركزي المصري بخفض أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ أكثر من 4 سنوات، خطوة مهمة نحو دعم النمو الاقتصادي وتخفيف أعباء الدين العام، لكنها تحمل تحديات تتعلق بالمدخرين والأموال الساخنة وتوازن السياسات النقدية والمالية.
الحكومة ستكون المستفيد الأكبر من الخفض، حيث سيوفر نحو 175 مليار جنيه سنويًا

وأوضح أبو الفتوح أن الحكومة ستكون المستفيد الأكبر من الخفض، حيث سيوفر نحو 175 مليار جنيه سنويًا من تكلفة خدمة الدين، ما يتيح مساحة مالية أكبر لإنفاقها على الخدمات العامة والمشروعات التنموية.
كما تستفيد الشركات من هذا الخفض عبر تقليل تكلفة الاقتراض، مما يشجع على التوسع والاستثمار، لكنه أكد أن الأولوية يجب أن تكون لدعم الشركات لخلق فرص عمل ونمو مستدام.
أما بالنسبة لـالأموال الساخنة، فرغم أن الفائدة الحقيقية ما زالت جذابة نسبيًا، إلا أن المنافسة مع أسواق مثل تركيا (46%) والبرازيل والهند قد تُعرض هذه التدفقات للخروج، خصوصًا في ظل التوترات الجيوسياسية والحرب التجارية العالمية.
وأشار إلى أن تحسين بيئة الاستثمار والاستقرار السياسي هما الضمان الحقيقي للحفاظ على هذه الأموال.
القطاعات كثيفة التمويل مثل العقارات والصناعة ستستفيد من انخفاض تكاليف الاقتراض
أشار أبو الفتوح إلى أن القطاعات كثيفة التمويل مثل العقارات والصناعة ستستفيد من انخفاض تكاليف الاقتراض، ما قد يحفز الطلب على الإسكان ويشجع التوسع الصناعي. لكنه حذر من أن ضعف الطلب المحلي وارتفاع تكاليف الإنتاج قد يحدّ من تأثيرات خفض الفائدة، مؤكدًا أن الحوافز الضريبية وتطوير البنية التحتية أهم لتحقيق نمو فعلي.
وبشأن التوجه النقدي، توقع أبو الفتوح أن هذا القرار بداية دورة تيسير نقدي جديدة، مع احتمالية خفض إضافي للفائدة بين 400 إلى 600 نقطة أساس خلال 2025، لكن بحذر شديد بسبب التحديات العالمية.
خفض الفائدة قد يؤدي إلى زيادة طفيفة في الإنفاق والأسعار
أكد أبو الفتوح أن خفض الفائدة قد يؤدي إلى زيادة طفيفة في الإنفاق والأسعار، لكنه لا يرى ذلك خطرًا كبيرًا في ظل ضعف القدرة الشرائية.
وأضاف أن الضغوط التضخمية الحقيقية تأتي من تكاليف الاستيراد وارتفاع أسعار الوقود، متوقعًا استمرار التضخم في التراجع ليصل إلى 12.5% في يونيو 2025.
ومن جانبه قال محمد عبد العال، الخبير المصرفي، إن العائد على أدوات الدين المصرية ما زال جاذبًا، حتى مع خفض الفائدة، خاصة أن معدل الفائدة الحقيقي هنا أعلى بكثير مما هو عليه في الأسواق المنافِسة.

اضاف أن خفض الفائدة في مصر من شأنه أن يقلص العائد على أذون الخزانة قصيرة الأجل، والتي كانت تقدم عوائد بلغت 27.25% في 2024، ما قد يدفع بعض المستثمرين الأجانب إلى إعادة تقييم استثماراتهم، خصوصًا في ظل ظهور أسواق تقدم عوائد أعلى، أبرزها تركيا.
الفارق الكبير في العائد بين مصر وتركيا قد يؤدي إلى تحول محدود للأموال الساخنة
وأوضح أن الفارق الكبير في العائد بين مصر وتركيا قد يؤدي إلى تحول محدود للأموال الساخنة من السوق المصري، لكن ذلك مرهون بعدة عوامل، أبرزها استقرار سعر صرف الجنيه المصري بعد تحريره في مارس 2024، ووجود اتفاق مع صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار، إلى جانب توقعات بنمو الاقتصاد المصري بنسبة 3.5% خلال 2025.
التأثير الفعلي لخفض الفائدة سيظهر بوضوح في أدوات الدين قصيرة الأجل
وأكد أن التأثير الفعلي لخفض الفائدة سيظهر بوضوح في أدوات الدين قصيرة الأجل، مثل أذون الخزانة، والتي قد تتراجع جاذبيتها، بينما يُتوقع زيادة الإقبال على السندات الحكومية طويلة الأجل ذات العائد الثابت الذي يتجاوز 25%، حيث يسعى المستثمرون إلى تأمين عوائد مرتفعة قبل أي خفض إضافي للفائدة.
تركيا تقدم عوائد مغرية جدًا على أدوات الدين
وعلى ورغم أن تركيا تقدم عوائد مغرية جدًا على أدوات الدين، فإن المخاطر المرتبطة بسوقها المالي والسياسي، وعلى رأسها تقلبات الليرة التركية وعدم اليقين السياسي، تدفع العديد من المستثمرين إلى اعتبار السوق المصري أكثر أمانًا واستقرارًا على المدى المتوسط.
وأوضح أن تخفيض أسعار الفائدة، اليوم، لا يعني أن البنك المركزي المصري تخلّى تمامًا عن سياسة التشديد النقدي، وإنما سيظل يراقب المعطيات المختلفة، ويتخذ قراره بناءً عليها.