سيطرة طالبان.. ما أشبه الليلة بالبارحة في أفغانستان! (تقرير)
عادت عقارب الساعة إلى الوراء، لتذكرنا بما حدث بأفغانستان في التسعينيات، وتحديداً عام 1998، عندما أحكمت الحركة سيطرتها على جميع أنحاء البلاد تقريبا، بما في ذلك العاصمة كابول، التي باتت في أيديهم مرة أخرى، دون حدوث قتال يذكر.
المسلحون في القصر
ولن ينسى العالم الخامس عشر من أغسطس، عندما دخل المسلحون، القصر الرئاسي في كابول، معلنة الحركة سيطرتها على كامل مفاصل الدولة ومناطقها، بينما هرب الرئيس الأفغاني أشرف غني من البلاد ومعه أربع سيارات وطائرة هليكوبتر محملة بالمال، وذلك بحسب ما نقلته وكالة الإعلام الروسية عن سفارة روسيا في كابول.
انسحاب مفاجئ
وتلقي معظم التحليلات باللوم على سياسة الرئيس الأمريكي في التعامل مع أفغانستان، عندما أعلن انسحابه المفاجئ، فيما علّق "بايدن"، مؤكداً إصراراه على أن الانسحاب المفاجئ كان الخيار الوحيد الممكن، وهو ما أكده في كلمته الاثنين الماضي، حيث كرر عدم ندمه على القرار وأنه لن يسمح للقوات الأمريكية بخوض حرب ترفض القوات الأفغانية خوضها.
كما أكد "بايدن" أن الانسحاب من أفغانستان تم التفاوض عليه في الأصل من قبل إدارة ترامب، وسلط الضوء على خطط الرئيس السابق لدعوة قادة طالبان إلى كامب ديفيد في الذكرى السنوية لهجمات 11 سبتمبر.
نهجاً بارداً
ومع إصرار الرئيس الأمريكي وتبريراته، إلا أن عددا من الصحف، من بينهم صحيفة "واشنطن بوست"، الأمريكية، وصفت تعامل "بايدن"، بقولها: "رئيس معروف بالتعاطف يتبنى نهجًا باردًا في التعامل مع كارثة أفغانستان"، كما أكدت أن الرئيس الأمريكي، يواجه أكبر أزمة في فترة رئاسته بعد السقوط المذهل لأفغانستان الذي هيمن على إدارته وأثار مخاوف من وقوع كارثة إنسانية.
عزل الرئيس الأمريكي
وأوضحت الصحيفة، أن الاتهامات المتبادلة انتشرت في واشنطن بشأن الانسحاب الفوضوي من كابول، والذي وصفه أحد المعارضين بأنه "إحراج لقوة عظمى"، كالولايات المتحدة، وليس هذا فحسب بل يعمل حاليا نواب جمهوريون، على عزل الرئيس "جو بايدن" من منصبه بعد الانسحاب من أفغانستان وتركها لحركة طالبان.
إخفاقات "بايدن"
وفي ذات السياق، قال ريك سكوت في تغريدة على "تويتر": "بعد الأحداث الكارثية في أفغانستان، يجب أن نواجه سؤالا خطيرا: هل "جو بايدن" قادر على القيام بمهامه أم حان الوقت لممارسة أحكام التعديل الخامس والعشرين؟".
وقال: "لقد جعل إهمال "جو بايدن" العالم أكثر خطورة.. لقد عرّضت إخفاقاته أمريكا وحلفاءنا للخطر.. اليوم أدعو الزعيم شومر ورئيسة البرلمان "بيلوسي" إلى الشروع الفوري في تحقيق من الحزبين والمجلسين بفشل إدارة "بايدن" في انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان.
مثير ومروع
وعلى الصعيد الأوروبي، وصفت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل"، سيطرة حركة طالبان على أفغانستان بأنه أمر "مرير ومثير ومروع"، داعية المجتمع الدولي إلى زيادة المساعدات للدول المجاورة لأفغانستان، لمنع طالبي اللجوء الأفغان من السفر إلى أوروبا.
وأكدت أن هذا تطور مرير بشكل خاص، معلقة: "مرير ودراماتيكي وفظيع، إنه أمر مروع لملايين الأفغان الذين عملوا من أجل حرية المجتمع"، مضيفة "نحتاج إلى التأكد من أن العديد من الأشخاص، الذين لديهم مخاوف ومخاوف كبيرة، يتمتعون بإقامة آمنة في البلدان المجاورة لأفغانستان.
وقالت: "يجب ألا نكرر أخطاء الماضي عندما لم نقدم أموالًا كافية للمفوضية وغيرها برامج المساعدات، والناس غادروا الأردن ولبنان باتجاه أوروبا"، في إشارة إلى اللاجئين السوريين، فيما أشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بأن زعزعة الاستقرار في أفغانستان قد تؤدي إلى تدفق المهاجرين إلى أوروبا.
خريطة جديدة في المنطقة
من جانبه قال الدكتور خالد عكاشة، رئيس المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، إن استحواذ طالبان على أفغانستان يؤكد أننا أمام خريطة جديدة في المنطقة، مشيرا إلى أن هناك صمت أمريكي مريب تجاه ما يحدث من تطورات في كابول، منوها أن ما يحدث مشهد لم يكن متفق عليه، وشكل من أشكال الانفلات في الأحداث.
وكشف "عكاشة" في تصريحات صحفية، أن هناك تسريبات أشارت بالسماح لطالبان بالمشاركة كفصيل سياسي، وأن تشارك في الانتخابات، وألا تمارس أفغانستان عملية التغلب والسطوة بالسلاح، وتعيش كمكون سياسي وجزء من أجزاء عديدة داخل أفغانستان.
تعهدات طالبان
وعلى الرغم من الانتقادات التي توجه لطالبان، تعهدت في أول مؤتمر صحفي لها، إنها لن تسمح بأن تكون أفغانستان ملاذا أمنا للإرهاب، كما وعدت باحترام حقوق المرأة وفق الشريعة الإسلامية، فيما قال المتحدث باسم الحركة، ذبيح الله مجاهد، إن جماعته تعمل بنشاط على تشكيل الحكومة التي سيعلن عنها.
وعن حقوق المرأة أكدت قائلة: "ستكون المرأة نشطة للغاية في مجتمعنا" وسيسمح لها بالعمل في إطار القوانين الإسلامية، لكنه لم يوضح ما يعنيه ذلك عمليًا، فيما أكدت أيضا أنه "لن يتم التعامل مع أحد بالانتقام، وأنهم سيعفون عن الجميع لصالح الاستقرار والسلام في أفغانستان، بالإضافة إلى أنها وعدت باحترام دور الصحافة.
مراقبة الأفعال
من جانبها علقت الأمم المتحدة، إنها بحاجة لرؤية تصرف طالبان على الأرض في أفغانستان، حيث قال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك: "سنحتاج إلى رؤية ما يحدث بالفعل، وأعتقد أننا سوف نحتاج إلى رؤية التصرفات على الأرض فيما يتعلق بالوفاء بتلك الوعود"، في إِشارة إلى تعهدات طالبان.
تحذيرات الناتو
وفي ذات السياق حذر حلف شمال الأطلسي (ناتو) طالبان، مؤكدا إن عليها ألا تسمح بأن تصبح أفغانستان أرضًا خصبة للإرهاب، فيما حذر أنه لا يزال لديه القوة العسكرية، القادرة على ضرب أي مجموعة إرهابية من مسافة بعيدة، على الرغم من انسحابه.
وأكد الأمين العام للناتو، ينس ستولتنبرغ، قائلاً: "أولئك الذين يتولون السلطة الآن يتحملون مسؤولية ضمان ألا يستعيد الإرهابيون الدوليون موطئ قدم في أفغانستان".
عن مسلحي طالبان
يشار إلى أن هذه الحركة، ظهرت خلال الحرب الأهلية التي أعقبت انسحاب القوات السوفييتية (روسيا حاليا) في عام 1989، بينما كانت تتواجد بشكل أساسي في الجنوب الغربي ومناطق الحدود الباكستانية، وتعهدت الحركة في البداية بمحاربة الفساد وإحلال الأمن، لكن عناصرها اتبعوا نمطا متشدداً صارماً، بحسب"بي بي سي" البريطانية.