الإثنين، 23 ديسمبر 2024 08:27 ص
رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
بدور ابراهيم
عاجل
اقتصاد

مخاطر اقتصادية جديدة تواجه العالم بعد التصعيد الروسي في أوكرانيا

الخميس، 24 فبراير 2022 01:40 ص

يواجه الاقتصاد العالمي، الذي لا يزال في طور التعافي من كوفيد-19، مخاطر جديدة من ارتفاعات أسعار الطاقة في ظل تفاقم التصعيد بين الغرب وروسيا، بحسب تقرير لوكالة بلومبرج.

وصدر عن الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين عقوبات محدودة على روسيا الثلاثاء، ردا على قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالاعتراف بجمهوريتين انفصاليتين في شرق أوكرانيا، وهددوا بفرض عقوبات أشد صرامة.

وقالت روسيا التي تحشد قواتها بالقرب من أوكرانيا إنها لا تخطط لشن غزو شامل.

دفعت الأزمة أسعار النفط نحو 100 دولار للبرميل وأحدثت أيضا هزات عنيفة بغيرها من أسواق السلع، وأطلقت مخاوف بنشوء موجة أخرى من الضغوط السعرية تضاف إلى معدلات التضخم المرتفعة بالفعل جراء الجائحة.

وتعد روسيا واحدة من أكبر الدول إنتاجا للسلع ومورد رئيسي للطاقة إلى أوروبا.

ووقعت البلدان الغربية بين شقي رحي الرغبة في فرض عقوبات صارمة لكبح جماح بوتين والخوف من ارتداد أضرار تصيبها في عقر دارها.

امتنعت أوروبا والولايات المتحدة حتى الآن عن حجب صادرات الطاقة الروسية أو تجميد قدرتها على الحصول على تمويلات دولارية. وحذر الرئيس الأمريكي جو بايدن الثلاثاء الأمريكيين من ارتفاع أسعار البنزين داخليا.

أضرار تلحق بأوروبا

على الرغم من عدم حدوث إعاقة مادية تمنع تدفق الغاز، فإن مخاوف التصعيد رفعت أسعار كل شئ، بداية من النفط والغاز حتى القمح والأسمدة والمعادن الصناعية خلال الأسابيع القليلة الماضية.

وفي أوروبا، التي تحصل على ما يزيد على نصف نفطها وغازها من روسيا، فإن الأسر تدفع بالفعل فواتير أعلى مقابل الحصول على الكهرباء والتدفئة. وأسهمت تكاليف الطاقة بأكثر من نصف معدلات التضخم القياسية التي بلغتها منطقة اليورو في يناير. وربما تتسبب حالة انعدام اليقين بشأن الإمدادات الروسية المستقبلية في جعل تجميد ضخ الإمدادات إليها أكثر سوءا.

ويقول المسئولون في البنك المركزي الأوروبي إن استمرار قفزات أسعار الطاقة سيتسبب في إبطاء تعافي الاقتصاد لأنها ستخفض ما تحصل عليه الأسر من سيولة نقدية للإنفاق على مستلزمات أخرى، وما يعنيه هذا من تآكل هوامش أرباح الشركات.

وخفض الاقتصاديين في بنك جي بي مورجان توقعات النمو للربع الأول من 1.5% إلى 1%، وإن كانوا لا يزالوا يتوقعون عودة اقتصاد أوروبا للسير على درب النمو عند مستويات ما قبل الجائحة بنهاية العام الجاري.

ألمانيا، التي تخطط لإغلاق جميع محطات الطاقة النووية بنهاية العام الجاري، تعتمد بشكل خاص على واردات الغاز، وهو أحد أسباب استثمارها في خط نورد ستريم2 الذي تصل تكلفته إلى 11 مليار دولار بغرض مضاعفة إمدادات الغاز القادمة من روسيا.

اكتمل المشروع العام الماضي وينتظر موافقة الجهات الرقابية، لكنه تأجل حاليا كجزء من الإجراءات التي تم اتخاذها ضد روسيا.

الأمن الغذائي

كلا من روسيا وأوكرانيا من كبار منتجي القمح، وارتفعت الأسعار وسط تذمر التجار من احتمالية إعاقة مرور البضائع عبر البحر الأسود. يثير هذا مخاوف كبيرة لدول شمال أفريقيا، التي شهدت اضطرابات شعبية سابقة بسبب تقلبات تكاليف رغيف الخبز وسقطت حكومات بسببها.

وتعافت بالفعل الاقتصاديات النامية بوتيرة أكثر بطئا من الجائحة مقارنة بنظيراتها في البلدان الغنية لأن حصص كبيرة من ميزانياتها تذهب لدعم أسعار الغذاء والطاقة.

ويتعين على هذه الدول أيضا رفع أسعار الفائدة بوتيرة أسرع لكبح جماح التضخم ومنع هروب رؤوس الأموال.

وربما تضطر الدول النامية إلى رفع أسعار الطاقة والغذاء حال تصاعد الأزمة الأوكرانية، بحسب إلينا ريباكوفا، الخبيرة الاقتصادية لدى المعهد الدولي للتمويل في واشنطن.

وهناك مخاطر ستلحق أيضا بالمعادن، إذ أن احتدام الصراع العسكري أو فرض عقوبات أشد صرامة ربما تعيق قدرة روسيا على تصدير البالديم المستخدم في تصنيع المحولات التي تخفض انبعاثات السيارات، أو الألمنيوم والحديد الصلب، بحسب تقرير حديث صدر عن مؤسسة رابوبنك.

الأهمية الاستراتيجية لمثل هذه المعادن تقلل من احتمالية استهدافها بعقوبات غربية.

مخاطر تهدد التصويت لصالح بايدن

تعد الولايات المتحدة، خلافا لأوروبا، واحدة من الدول الكبرى المنتجة والمصدرة للطاقة، بما يعني أن اقتصادها أقل انكشافا. وبرغم هذا، فهناك مخاطر سياسية سيتعرض لها بايدن جراء ارتفاع أسعار البنزين داخليا، بينما يتوجب على الديمقراطيين الاحتفاظ بأغلبية طفيفة في الكونجرس في الانتخابات التي ستنعقد العام الجاري.

وفي خطابه الثلاثاء، قال بايدن إن الولايات المتحدة تعمل جنبا إلى جنب مع البلدان الأخرى لتخفيف التداعيات المحتملة، دون إيراد تفاصيل.

وتحدث بيتر هاريل، المسئول في مجلس الأمن القومي الأمريكي إلى تليفزيون بلومبرج، قائلا إن العقوبات ضد روسيا لا يجب أن تضر بسلاسل التوريد كثيرا.

وأضاف:" لقد أجرينا دراسات معمقة جدا خلال الأشهر القليلة الماضية لفهم نطاقات الاعتماد على روسيا وتواصلنا مع الشركات لكي تتولى تلبية كافة الاحتياجات عبر تنويع الموردين.

ويستعد مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي لرفع أسعار الفائدة لمواجهة التضخم وحذروا من أن وقوع اضطرابات جيوسياسية ربما يؤدي إلى رفع الأسعار.

مرونة عالمية

وبرغم هذا، يتوقع معظم الاقتصاديين أن أية ارتفاعات سعرية ناجمة عن تصعيد الصراع في أوكرانيا ستكون قصيرة الأجل، بما يعني أنها لن تؤثر على توقعات الأجور ولن تؤدي إلى حدوث موجات تضخمية طويلة الأجل.

سيساعد هذا البنوك المركزية على الالتزام بالخطط الحالية التي تشمل تشديد السياسة النقدية بقدر يكفي لتخفيف الضغوط السعرية دون الإضرار بفرص التعافي خلال مرحلة ما بعد كوفيد.

وحتى فيما يتعلق بأوروبا، فإن الأضرار سيكون من الممكن تحملها. وبينما تعد ألمانيا ثاني أكبر شريك تجاري لروسيا، فإن تلك الروابط تشكل نسبة صغيرة من إجمالي تجارتها - وأقبلت العديد من الشركات الأوروبية بالفعل على خفض انكشافها على روسيا بعد فرض عقوبات عليها في أعقاب ضمها شبه جزيرة القرم في 2014.

وقال بول دونوفان، الخبير لدى شركة يو.بي.أس في لندن:" مخاوف الأسواق بخصوص السيناريو الأكثر قسوة مبالغ فيها. تتناسى الأسواق أن الناس قادرة على التأقلم مع الأزمة ويجدون حلولا بديلة. في أوروبا، رأينا حملات لحض الناس على إغلاق الأجهزة المستهلكة للكهرباء أو على العمل من المنزل، ولم يتوقف الاقتصاد."

هل تتأثر روسيا؟

العقوبات التي تعرضت لها روسيا في أعقاب غزوها لشبه جزيرة القرم دفعتها للسقوط في هوة الركود وتعرض بسبب النظام المالي لأزمة.

ومنذ ذلك الحين، سعت الحكومة الروسية جاهدة لجعل الاقتصاد أقل حساسية تجاه العقوبات. وعملت الحكومة على تشجيع الإنتاج المحلي وخفض الدين الخارجي وبنت احتياطيات من العملة الأجنبية التي ربما تتعزز حاليا بفضل ارتفاع أسعار الطاقة.

وبدون تورط روسيا في صراع عسكري فمن المحتمل أن يستمر الاقتصاد الروسي في التوسع، على الرغم من أن مؤسسة كابتل إيكونومكس تتوقع أن النمو سيهبط لأقل من 1%.

وعلى المدى الطويل، ستسهم العقوبات الأمريكية والأوروبية في إعاقة فرص نمو الاقتصاد.

هل ستخرج الصين منتصرة؟

حتى بدون التصعيد أو التورط في قتال أو التعرض لعقوبات اقتصادية أشد صرامة فإن روسيا ربما تتجه صوب الشرق بحثا عن دعم اقتصادي وسط تدهور العلاقات مع الغرب.

تعد الصين بالفعل هي الشريك الاقتصادي الأكبر لروسيا وتباحثت البلدان بالفعل بخصوص بناء خطوط أنابيب جديدة لنقل الغاز الروسي.

وتتعاون روسيا أيضا مع الصين لبناء أنظمة جديدة للمدفوعات الدولية التي ربما تتحاشى الدولار وتسهم بالتالي في تقليص قدرة الولايات المتحدة على ممارسة ضغوط عبر العقوبات وكذلك في خفض حيازاتها من الدولار.

يصعب توقع مواعيد اندلاع الحروب

يصعب توقع التصعيد الجيوسياسي والصراعات العسكرية. وربما تتطور التوترات بين روسيا والغرب على نحو يبدو مستبعدا في الوقت الراهن، مثل هجرة أعداد كبيرة من اللاجئين من أوكرانيا صوب أوروبا الغربية.

وبحسب ديفيد كيلي، الخبير الاستراتيجي لدى مؤسسة جي.بي مورجان لإدارة الأصول :" الحروب تتطور على نحو غير متوقع. ولا ينبغي افتراض أنه يمكن إدراك جميع تبعات حربا ما في بدايتها."