نموذج عمل جديد للقطاع العقاري
يعيش العالم بأكمله أزمة اقتصادية كبرى في هذه الفترة، تُشكِّل تحديًا صعبًا نتيجة لعدة عوامل، مثل ضعف الإنتاج تأثرًا بجائحة كورونا، وهي الأزمة التي امتدت على مدار عامين وما زالت تُلقي بظلالها على الكثير من القطاعات.
يحتاج القطاع العقاري إلى نموذج عمل جديد من شأنه حل المشكلات والتحديات المستمرة
فعلى سبيل المثال، لم تَعُد المصانع في العالم إلى معدلات الإنتاج الطبيعية، إلى جانب إغلاق عدد من الدول والمدن الكبرى المنتجة، ومنها شنغهاي الصينية، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم والحرب (الروسية – الأوكرانية) التي ضاعفت التحديات التي يعانيها العالم وأدت إلى تباطؤ فرص التعافي السريع.
ولا يختلف الوضع في مصر عن العالم لكونها جزءًا لا يتجزأ منه، فلقد تأثَّرت بكل تلك التحديات، خاصة أن مصر دولة تعتمد بصورة رئيسية على الاستيراد، حتى إن المنتجات التي تُصنَع محليًّا يتم استقدام خاماتها من الخارج، ونشهد الآن تبِعات ذلك في التضخم وارتفاع الأسعار نتيجة ارتفاع التكاليف، ومن المتوقع أن تزيد الارتفاعات السعرية، وذلك على الرغم من التعامل الفوري والسريع من قِبل الجهاز المصرفي للسيطرة على معدلات التضخم وانخفاض قيمة العملة المحلية.
احتمال بأن تقع الشركات مجددًا في فخ رفع آجال السداد للمشروعات إلى 10 و 15 عاما
وعلى مستوى القطاع العقاري نواجه تحديات عديدة، شأنه في ذلك شأن جميع القطاعات الأخرى؛ ففضلًا عن ارتفاع أسعار مواد البناء نعاني أيضًا نقصًا في بعض الخامات من حين لآخر تأثرًا بضعف الإنتاج وصعوبة الاستيراد، وهو الأمر الذي أثَّر على معدلات تنفيذ المشروعات التي تشهد تراجعًا منذ عامين تأثرًا بظروف الجائحة، بما قد يؤثر على معدلات التسليم المستهدفة والمواعيد المتفق عليها مع العملاء، وجميعها أمور خارجة عن إرادة الشركات.
ورغم مرور القطاع العقاري بالعديد من التحديات على مدار السنوات الماضية منذ عام 1999وصموده أمام جميع هذه التحديات واستمراره في تحقيق معدلات النمو المنشودة، فإن الأزمة الحالية «مختلفة» لأنها تجمع بين عدة عوامل متداخلة وتحديات محلية وعالمية في وقت كان القطاع يشهد فيه تعافيًا كبيرًا وعودة تدريجية بعد جائحة كورونا وبعد تطبيقات الإصلاح الاقتصادي في مصر.
وبالتالي فإن آليات التعامل مع التحدي الحالي يجب أن تختلف كليًّا عن الآليات التي تم اتباعها للتعامل مع التحديات الماضية، وذلك للحفاظ على القطاع العقاري والشركات العاملة به التي تواجه تحديات صعبة تتمثل في نقص السيولة النقدية وارتفاع التكاليف بصورة تهدد إمكانية استكمال المشروعات التي تم بيع وحداتها للعملاء، بجانب انخفاض القوى الشرائية للعملاء في مقابل ارتفاع أسعار الوحدات، بما يُصعِّب مهمة تلبية احتياجات العملاء المستقبلية إلى الوحدات السكنية.
وهناك احتمال بأن تقع الشركات مجددًا في فخ رفع آجال السداد للمشروعات إلى 10 و 15 عامًا مثلما حدث في تعويم 2016 وأرى أنه إذا لجأت الشركات إلى ذلك الحل لدفع عملية البيع فستقع مشکلات مستقبلية كبرى في إطار تغيرات التكاليف المستمرة وأزمات نقص السيولة التي تعانيها الشركات، كما أن التمويل العقاري لم يَعُد المفتاح السحري لحل الأزمة في ظل تشعُّب المشكلات التي تواجه القطاع.
يجب إعادة النظر في أسعار الأراضي فالوزن النسبي لسعر الأرض إلى التكلفة الإجمالية للمشروع يعادل حاليًّا 40% وأكثر
وبالتالي، يحتاج القطاع العقاري إلى نموذج عمل جديد من شأنه حل المشكلات والتحديات المستمرة، نموذج يبدأ من عملية طرح الأراضي وصولًا إلى تقديم منتج نهائي جاهز للعميل.
فيجب إعادة النظر في أسعار الأراضي؛ فالوزن النسبي لسعر الأرض إلى التكلفة الإجمالية للمشروع يعادل حاليًّا 40% وأكثر، وهي نسبة مبالغ فيها للغاية، فيجب ألا تتخطى النسبة العادلة والمنطقية 20% من التكلفة الكلية، كما أن نموذج السداد والتنفيذ على 4 أو 5 سنوات يضع الشركات تحت ضغط مالي كبير، وبالتالي لا بد من إعادة النظر في سنوات التنفيذ لیتم مدُّها إلى 6 أو 8 سنوات حسب مساحة المشروع.
وفي تلك الحالة يتمكن المطور من مدِّ أجل التسليم للعميل بصورة تتيح له ضمان سيولة نقدية مناسبة لإنجاز المشروع والحفاظ على التدفقات المالية، ففي الوضع الحالي نجد الشركات تقوم بالتقسيط على 8 أو 10 أو 15عامًا، وبعد 4 سنوات -وهو موعد تسليم الوحدة- يكون المبلغ المُحصَّل من إجمالي ثمن الوحدة قليل للغاية ولا يتناسب مع تكاليف التنفيذ ولا يسمح بالتوسع المستقبلي للشركات.
إعادة النظر فى الأعباء الضريبية التى تتحملها الشركات
كما أنه لا بد من تقليل الأعباء الضريبية على الشركات، وهي الأعباء التي تصل مجتمعة في صور مختلفة إلى 50%أو 60% من الأرباح، بما يزيد من الضغوط المالية على الشركات، وهي مشكلة يعانيها القطاع الخاص ككل.
وبالنسبة للتمويل العقاري، فمشكلته هي طول الإجراءات وصعوبتها، وليست الفائدة فقط، كما أن الوقت الحالي هو الأنسب لأن يكون للقطاع الخاص نصيب أكبر في إنتاج وحدات الإسكان المتوسط وفوق المتوسط والفاخر، فالدولة تُقدِّم وحدات جاهزة كاملة التشطيب بتقسيط على 20 و 30 عامًا، وهو أمر يصعب على القطاع الخاص القيام به في ضوء التحديات وأسعار الأراضي الحالية، وبالتالي تكون المنافسة بين القطاع الخاص والدولة غير عادلة.
هذا بالإضافة إلى تقديم نموذج جديد للقطاع العقاري، إلى جانب النموذج الحالي القائم على البيع من الرسومات (Off-Plan Sale)، بحيث يتم البدء في المشروع دون بيع والاستعانة بتمويلات بنكية (Project Finance) تتيح للشركات تنفيذ المشروعات، على أن يبدأ البيع بعد الوصول إلى مراحل متقدمة من التنفيذ، وبالتالي يتمكن المطور من تحديد التكلفة بشكل واضح ويتفادى العميل تأخير المشروعات، بالإضافة إلى قيام شركات التمويل العقاري بتولي مسؤولية تمويل عملية شراء العملاء والتقسيط لهم مباشرة عند الشراء لكون الوحدات مشيدة وبحيث يمكن تسليمها للعميل في خلال سنة من التعاقد.
فوجود نموذج عمل جديد بالإضافة إلى النموذج القائم حاليًّا يساعد في تنشيط القطاع العقاري والحد من المخاطر القائمة حاليًّا للشركات والأفراد على حد سواء.