«بلومبرج»: انفجار فقاعة عقارية تتشكل حاليًّا بشكل عالمي ينذر بتكرار أزمة الثمانينيات
قررت الحكومة البريطانية مساعدة القطاع العقاري فخفضت الضريبة على المشتريات لفترة مؤقتة، لكن ما لبثت أن انطلقت حمى شراء رفعت متوسط الأسعار بنحو 31 ألف جنيه استرليني، أي بأكثر من ضعف الحد الأقصى للوفر الضريبي.
حمى الشراء على النحو السابق وما تبعها من انهيار لاحق في أسعار المنازل المرتفعة يناظر ما حدث نهاية ثمانينيات العقد الماضي، عندما أعلنت الحكومة أنها ستخفض إعفاء ضريبي للمتزوجين المقبلين على شراء منزل، مما ساهم في تعظيم الطلب. وكان الكساد اللاحق قاسيا، لدرجة أن السوق احتاج لقضاء تسع سنوات قبل أن يعود إلى ذروته السابقة.
توقعات بتراجع أسعار المنازل
يواجه السوق العقاري حاليا تحديات مماثلة، بحسب سيمون فرنش، الخبير الاقتصادي لدى بنك الاستثمار بانمور جوردن، الذي يتوقع تسجيل تراجع بنسبة 14% في أسعار المنازل خلال الأعوام الثلاث القادمة.
سيؤدي هذا إلى إعادة الأسعار إلى مستويات عام 2013 بعد حساب التضخم.
ويتوقع الخبراء لدى بلومبرج إيكونومكس انهيار الأسعار بنسبة 10% العام القادم.
لكن المملكة المتحدة ليست وحدها التي تطلق إشارات تحذيرية معلنة اقتراب ركود مناظر لما كان واقعا قبل ثلاثين عاما.
شهدت استراليا وكندا والسويد كذلك بلوغ أسعار المنازل قمما قياسيا خلال السنوات القليلة الماضية، إذ تعزز تملك المنازل بفضل الائتمان الرخيص على الرغم من ارتفاع الأسعار. لكن الأمر اختلف في الوقت الراهن في ظل إقبال البنوك المركزية على كبح جماح التضخم.
تسبب هذا في رفع أسعار الفائدة بوتيرة متسارعة، مما يؤشر على انتهاء حقبة التمويل الرخيص الذي كان هو النمط السائد منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008.
وستكون أيضا هناك تداعيات تؤثر على ثروات الأسر والنمو الاقتصادي بينما تقع الكثير من البلدان تحت تهديد الركود.
ويرى مانوج برادهان، الخبير الاقتصادي السابق لدى مورجان ستانلي، أنه توجد أوجه تشابه بين الوضع حاليا وفي الماضي.
لكن ارتفاع التضخم حاليا يعني أن الأوضاع ستكون أسوأ كثيرا، فالزيادة إجمالا في الديون ومستواها تعد أكبر مقارنة بالماضي، مما يجعل الحساسية هائلة تجاه زيادات الفائدة.
وفيما يلي نبذة عن التطورات الأساسية الجارية حاليا في عدد من البلدان التي يهدد سوقها العقاري مخاطر عدة أو سقط فعليا في الكساد.
كندا
عند نزول مطار تورنتو والمغادرة إلى وسط المدينة ستظهر صفوف من العمارات السكنية التي تم تطويرها خلال حقبة التمويل السهل.
يعيد هذا المشهد إلى الذاكرة الانتعاش الذي شهدته المدينة خلال ثمانينات القرن الماضي بفعل المضاربة السعرية على الشقق، التي انتهت فجأة مخلفة ورائها انهيارات سعرية كبيرة.
وبما أن التضخم مرتفع في الوقت الراهن، فقد بات يتعين تحريك أسعار الفائدة لأعلى سعيا لكبح جماحه.
وفي عام 1990، قفزت الفوائد على الرهون العقارية بنسبة 13% وانهار سوق تورنتو العقاري ليصل إلى مرحلة التجمد العميق الذي استمر لسنوات.
وهبطت المبيعات ولم تصل الأسعار إلى قاع التراجع إلا عام 1996 بعد خسارة ربع قيمتها.
يعد الاقتصاد حاليا في وضع أفضل، لكن السوق العقاري في تورنتو تبدو في وضع هش حاليا معلنة انقضاء فترة استمرت نحو 25 عاما من الزيادات السعرية.
وبقيت إتاحة المنازل بأسعار رخيصة أمرا صعب المنال، وهو ذات الوضع الذي كان سائدا خلال فقاعة أواخر ثمانينات القرن الماضي، بحسب البنك الوطني لكندا.
تدور رحى المضاربات الأكثر سخونة هذه المرة في الضواحي والمدن النائية بالقرب من تورنتو التي انتقل إليها الناس هربا من كوفيد وبحثا عن مساحات أكبر في الشقق.
ووصل التصحيح السعري إلى هناك سريعا، ففي المدن مثل كتشنر ووترلو وانتاريو التي تقع ناحية الغرب ويتطلب الوصول إليها قيادة السيارة لمدة 90 دقيقة، تراجع مؤشر الأسعار بنسبة 16% في ستة أشهر.
وفي ضاحيتي اوكفيل وميلتون التي يسكن فيها الكثير من المحترفين العاملين في قطاع التمويل، تراجعت الأسعار بنسبة 14%.
لكن الأسعار لا تزال أعلى مقارنة بما كانت عليه خلال الجائحة، بما يعني أن المزيد من التراجعات ربما تشهدها البلاد الفترة القادمة.
الصين
باتت صور المنازل غير مكتملة البناء ترمز إلى قتامة أوضاع العقارات الصينية، حيث يحتاج المشترون إلى سداد أقساط لشراء منازل لا يمكنهم العيش فيها. ساعد هذا على نشوء حملة لمقاطعة سداد أقساط الرهون العقارية، وسط إقبال المشترين على التهديد بوقف سداد المدفوعات.
وبحسب تقديرات مؤسسة ستاندرد اند بورز للتصنيفات العالمية، توقفت عمليات إنشاء ما يقرب من 2 مليون منزل غير مكتمل البناء سبق أن قامت شركات التطوير العقاري ببيعه.
يشبه هذا الوضع الكساد الذي ضرب جزيرة هينان الصينية قبل 30 عاما، الواقعة في المنطقة الاستوائية والتي توصف بأنها "هاواي الصين".
بدأت شركات التطوير العقاري العمل هناك في ثمانينات القرن الماضي بعد أن أصبحت واحدة من أولى المناطق التي أقبلت الصين على تحريرها اقتصاديا، مما ساعد إلى انجذاب المهاجرين إليها طلبا للعمل.
وارتفعت أسعار المنازل ثلاثة مرات خلال الفترة من 1989 و 1992، لكن الرواج انتهى العام التالي بعد أن أقبلت الصين على تشديد سياستها النقدية وتقليص التمويلات الداخلة إلى القطاع. وأضحى 600 عقار مهجورا، بحسب تقارير لوسائل الإعلام المحلية.
وطبقت الصين نهجا مماثلا سعيا لاحتواء الرواج الذي تحقق خلال السنوات الثلاث الماضية. وتم فرض قيود على التمويل وطلبت الحكومة من البنوك إبطاء وتيرة إقراض الرهون العقارية. وتسببت هذه السياسة في إطلاق موجة تعثرات خلفت ورائها عقارات غير مكتملة البناء ممتدة على مساحات تصل إلى ملايين الأمتار المربعة.
وفي عام 1999، أقبل مجلس الدولة الصيني على التدخل لإيجاد حل لأزمة المشاريع غير مكتملة البناء، حيث حولت جزءا منها إلى مساكن مدعمة مخصصة لمحدودي الدخل من العمال.
وطرحت الحكومة كذلك قروضا خاصة بقيمة 200 مليار يوان لضمان تسليم المشاريع المتوقفة.
وبينما يرى الكثير من الاقتصاديين أن الكساد العقاري لن يزداد سوءا وأن التحفيز سيبدأ العام الجاري أو القادم، فإن القليل منهم يتوقعون تعافيا حادا. لكن السياسات الحالية جنبا إلى جنب مع التخفيف التدريجي لقيود كوفيد ستساعد السوق على التعافي.
أستراليا
شهدت أستراليا زيادات كبيرة في أسعار المنازل خلال الجائحة، لكن البنك المركزي رفع أسعار الفائدة الاسترشادية 250 نقطة أساس في غضون أشهر قليلة.
تتراجع الأسعار بوتيرة أسرع مقارنة بما حدث خلال الركود الذي ضرب البلاد مطلع ثمانينات القرن الماضي ومطلع التسعينات، بحسب تيم لوليس، الباحث لدى كورال لوجيك.
وتراجع مؤشر كورال لوجيك للمدن الرئيسية الذي يضم أسعار المنازل في ثمان مدن رئيسية في أستراليا بنسبة 5.5% خلال الأشهر الخمس الماضية.
وتراجعت أسعار العقارات بنسبة 2.9% خلال الركود الذي ضرب البلاد خلال تسعينات القرن الماضي. وازداد الأمر سوءا في سيدني التي شهدت تراجع الأسعار ثمانية أشهر على التوالي، وهي تقل حاليا بنسبة 9% عن ذروتها.
وقال بول كاميرون، كبير الاقتصاديين لدى شركة بروب تراك العقارية: " في عام 1994، شاهدنا أسرع زيادات في الفائدة. وشاهدنا نوعين من الركود في السوق العقاري: الكساد الذي تلى ارتفاعات الأسعار عام 1989 والكساد الآخر الذي تلى الزيادات في الفائدة. وفي الوقت الراهن، بتنا نعاني من كلا السيناريوهين."
هناك مصدر آخر للقلق في أستراليا، وهو عجز الأسر عن الحصول على التمويل، إذ بلغت نسبة الديون إلى الدخل مستوى 187%، مقارنة بنسبة 70% خلال تسعينات القرن الماضي.
وقال لوليس:" أضحت الأسر أكثر حساسية تجاه تكلفة الديون في الوقت الراهن مقارنة بما كان حادثا خلال حالات الركود السابقة."
وأضاف أن الاقتصاد يظل قويا وكذلك التوظيف.
السويد
تتحقق ديناميات مماثلة في السويد، إذ استمر رواج العقارات حتى خلال الجائحة، لكن هذا تغير بعد أن قفزت الفائدة من الصفر إلى 1.75% العام الجاري.
تتراجع أسعار المنازل بوتيرة قياسية وتتعرض شركات العقارات التجارية الممولة بقروض كثيفة لضغوط ناجمة عن الفوائد المرتفعة، وهو أمر يضاهي ما حدث خلال الأزمة المالية في تسعينات القرن الماضي.
وخلال تلك الفترة، تسببت الفوائد المرتفعة في تفجير فقاعة هيمنت على العقارات التجارية كانت مدعومة من تحرير الائتمان. ودخلت السويد في أزمة بفعل الكساد الذي تضرر منه القطاع المالي. وتسببت هذه الأزمة في ارتفاع الدين الحكومي والبطالة، كما أجبرت الحكومة على فرض السيطرة على البنوك الخاصة المتعثرة.
وعلى الرغم من أن واضعي السياسات يشعرون بالقلق، فهناك عوامل يمكنها أن تحول دون خروج الأحداث عن السيطرة. تقل كثيرا الرافعة المالية التي استفاد منها ملاك العقارات التجارية عن المستويات التي سادت في مطلع تسعينات القرن الماضي، التي تلت فترة من التوسع المفرط في الائتمان.
وفي الوقت ذاته، تشكل قروض الأسر مصدر هائل للخطر، خصوصا في ظل بلوغ نسبة الديون إلى الدخل مستوى 200%، صعودا من 150% قبل الأزمة المالية العالمية.
بريطانيا
بدأت حكومة رئيسة الوزراء ليز تروس في خفض ضريبة الدمغة لدعم السوق.
تم إطلاق هذا الخفض في الضريبة ضمن خطة إعفاءات ضريبية كبيرة ( تم إلغائها لاحقا)، لكنها ما لبثت أن تسببت في إلقاء الأسواق البريطانية داخل آتون الاضطراب.
وقفزت عوائد السندات، مما ساهم في زيادة فوائد الرهون العقارية، وأقبلت عدة بنوك على سحب قروض المنازل من السوق.
تتشكل حاليا أوضاع لا تحفز الطلب الذي تقول شركة زوبلا العقارية إنه قد تراجع بنسبة 20% منذ الإعلان عن الموازنة المصغرة، مما تجعله في أضعف أحواله منذ بدء الجائحة.
وكشفت إيونا هوفنكا من وكالة بلومبرج انتلجينس عن تدشين عملية إعادة تسعير معمقة للرهون العقارية، مع بلوغ الفوائد مستويات لم يتم بلوغها خلال ما يزيد على العقد وتسجيل تراجع حاد في معدلات إتاحة المنازل بأسعار مناسبة.
وأضافت أن إعادة التسعير على النحو السابق ربما " تصيب المشترين بالصدمة وتتسبب في تجميد النشاط في القطاع العقاري لحين عودة الفوائد إلى المستويات الطبيعية و إقبال المشترين على تعديل توقعاتهم للتأقلم مع الأوضاع السائدة."
وصدرت تحذيرات من شركة هامبتونس انترناشنال للسمسرة قبل خفض ضريبة الدمغة، إذ رجحت تراجع أسعار العقارات حال تخطى فوائد البنك المركزي الإنجليزي مستوى 2.5%.
وبلغت الفائدة مستوى 2.25% بالفعل ومن المتوقع أن ترتفع إلى 3% على أقل تقدير الشهر المقبل.
واستقر متوسط الفوائد الثابتة للرهون العقارية أجل 5 سنوات عند أعلى مستوى لها خلال 14 عاما الشهر الجاري.
وقال نيراج شاه الخبير الاقتصادي لدى بلومبرج إيكونومكس:" تشبه الصدمة الحالية ما حدث خلال مطلع تسعينات القرن الماضي عندما ارتفعت الفوائد وتراجعت أسعار المنازل وكان التعافي بطيئا."
بدأت آخر واقعتين للكساد العقاري في لندن قبل أن تنتقلا إلى أماكن أخرى، بحسب داني دورنج، استاذ الجغرافية البشرية لدى جامعة أوكسفرد.
تظهر لندن في الوقت الراهن بعض الإشارات الدالة على الاضطراب. تقل الأسعار بنحو 4 آلاف جنيه إسترليني عن الذروة التي تحققت في فبراير، وتتجه الأسعار للتراجع في 10 من 33 ضاحية من ضواحي المدينة.
وقال هوج هندري:" تعد العقارات أحد الأصول الأخرى التي تعاني عالميا بفعل الأضرار التي تسبب فيها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنوك المركزية الأخرى. سيقبل المستثمرون الخائفون على بيع ما لديهم من عقارات وستهبط الأسعار."