بدأت الحكومة في منح إعفاءات ضريبية سخية في عام 2017
"البريكست" يدفع لانتعاش سوق الشقق الفاخرة في مدينة ميلان الإيطالية
تمر حاليا سوق الشقق الفاخرة في مدينة ميلان الإيطالية بفترة من الرواج وسط إقبال المصرفيين ومدراء الصناديق ومستثمرى حقوق الملكية الخاصة على المغادرة أفواجا إلى عاصمة رأس المال في إيطاليا، بحسب تقرير لوكالة بلومبرج.
وأقبل آلاف الأجانب والمواطنين الإيطاليين على الذهاب إلى إيطاليا منذ أن بدأت الحكومة في منح إعفاءات ضريبية سخية في عام 2017. ساعد هذا على تحول دفة السوق العقاري في ميلان صوب العقارات الفاخرة، خصوصا بعد أن أصبحت المدينة ملتقى شهير للمصرفيين الذي قرروا مغادرة لندن في أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وخلال السنوات القليلة الماضية، مرت المدينة بحالة صحوة بفضل استكمال العديد من المشروعات الحضرية الكبيرة.
وخلال الفترة التي سبقت انعقاد معرض وورلد إكسبو العالمي عام 2015، أقبل قادة المدينة والشركات العقارية على تحويل منطقة بورتا نووفا وساحة ميلان القديمة إلى معالم عقارية شاهقة، مما حفز إنشاء منطقة جديدة للأعمال والتجارة والعقارات السكنية.
نقطة مضيئة نادرة
تحولت ميلان إلى نقطة مضيئة نادرة على صعيد العقارات العالمية. وأدت أسعار الفائدة التي ترتفع بوتيرة متسارعة إلى وضع حد للمال الرخيص الذي غذى سوق الإسكان بداية من برلين حتى بكين. وباتت إيطاليا مهيئة لتجنب الكثير من الاضطراب بفضل تعافي قطاعها العقاري ببطء من تبعات الأزمة المالية العالمية.
وقال مانفردي كاتيلا، مؤسس شركة كويما إس جي أر المسئولة عن مشاريع تطوير منطقة بورتا نووفا المدعومة من صندوق قطر للاستثمارات:" بعد عشرين عاما من إعادة التطوير، تحتفظ المدينة بفرصة أفضل مقارنة بالعواصم الأوروبية الأخرى."
هناك سبب آخر لجاذبية مدينة ميلان، وهو قربها الجغرافي من مركز المال في فرانكفورت ولندن وساحل البحر المتوسط ومن منتجعات جبال الألب.
أسعار مرتفعة
بدأت الأسعار في ميلان تعكس جاذبيتها الجديدة، حيث ارتفعت قيمة العقارات الفاخرة في ميلان بنسبة 25% إلى 5.8 مليار جنيه يورو خلال الأشهر الست المنتهية في نوفمبر، بحسب موقع إمبولاري العقاري.
تشكل هذه زيادة ملموسة خلال الفترة الممتدة من 2019 و2021، عندما قفز متوسط أسعار العقارات الفاخرة في إيطاليا بنسبة 2%، بحسب المنصة في تقرير منفصل.
وقال أندريا بنشارلي فينتشيني مؤسس شركة فنسنزو مونتي بريستيدج " يتخذ سوق العقارات الفاخرة في ميلان مسارا صعوديا، فبعد البريسكت (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) رأينا تدفقا ملموسا من الإيطاليين العائدين، جنبا إلى جنب مع عدد متنامي من المشترين الأجانب الأغنياء."
وفي منطقة سيتي لايف الفاخرة الواقعة على التخوم الشمالية من المدينة، تصل الأسعار إلى 15 ألف يورو للمتر المربع. وبرغم الأسعار المرتفعة، لم يهدأ الطلب والاهتمام بشراء عقارات في هذه المنطقة، حيث تم بيع قطعة تضم 103 منزل قبل استكمال الإنشاءات. يشكل الأجانب والإيطاليون العائدون من الخارج نسبة 20% من المشترين.
الإعفاءات الضريبية محفز رئيسي
وقعت العديد من أكبر البنوك العالمية تحت مقصلة ضغوط تدفعها لنقل المتعاملين إلى خارج المملكة المتحدة إلى أوروبا. وبينما كانت البنوك الإيطالية مثل يونيكركيدت إس بي أ وميدوبانكا إس بي أ ضمن أوائل البنوك التي نقلت موظفيها إلى ميلان، فإن نظرائها الدوليين بدأوا يحذون حذوها.
ونقل بنك جولدمان ساكس متعامليه من لندن إلى المدينة الإيطالية ميلان، وأقبلت كذلك العديد من البنوك الاستثمارية على فتح فروع لها في المدينة خلال السنوات القليلة الماضية.
وبحسب تقرير جديد من الهيئة المصرفية الأوروبية، زاد عدد أصحاب الدخول المرتفعة في إيطاليا عام 2021 إلى 351، بزيادة 88% مقارنة بالعام السابق.
ربما تساعد هذه التغييرات ميلان على التحول لتصبح مركزا ماليا عالميا. وينقص المدينة في الوقت الراهن توفر البيئة العالمية التي ستضعها على قدم المساواة مع لندن أو حتى فرانكفورت.
وتشغل ميلان المرتبة ال ٤٨ من بين ١١٩ مدينة، بما يعني تخلفها عن باريس وفرانكفورت وأمستردام وجنيف.
وتعد الإعفاءات الضريبية في ميلان هي الحافز الرئيسي الذي يدفع الأفراد أصحاب صافي الثروة المرتفعة للتفكير جديا في السفر إلى هناك، حيث يتم منح القادمون الجدد خيار سداد ضريبة بسعر موحد على الدخل المتحقق في الخارج بقيمة مائة ألف يورو أو عدم سداد ضريبة على نسبة تصل إلى 70% من دخولهم خلال السنوات الخمس الأولى.
وفي عام ٢٠٢٠ استفاد نحو ١٦ ألف مواطن إيطالي وأجنبي من هذه المحفزات واستفاد ما يزيد على 400 شخص من الضريبة الموحدة، بحسب وزارة المالية.
الطلب يتفوق على المعروض
وفي ميلان، يتفوق الطلب على العقارات الفاخرة على المعروض منها.
وتقول لوريان دوون، العضو المنتدب لشركة بي سي بارتنرز العقارية التي تكثف استثماراتها في المدينة:" يفضل الملاك توريث العقارات إلى الأجيال الأصغر بدلا من بيعها."
وهناك لذلك عدد قليل مطروح من الإنشاءات الجديدة الفاخرة في ميلان.
وبرغم هذا، يتم إنشاء المشاريع العقارية في جميع أنحاء المدينة على قدم وساق.
ويجري تحويل مركز تجميع خطوط السكك الحديدة في منطقة سكالو دي بورتا رومانا إلى قرية أولمبية وسط استعداد المدينة لاستضافة أولمبيات الشتاء 2026.
ويتم تصميم الموقع بواسطة العديد من المعماريين الذين سبق لهم تصميم حديقة هاي لاين الأيقونية في نيويورك.
وتشهد المدينة كذلك بناء أكبر شبكة لحارات الدراجات في جميع المدن الأوروبية.
ويتوقع الكثيرون دخول إيطاليا في هوة الركود جراء التضخم المرتفع وتعرض خطوط الإمدادات إلى المزيد من الضغوط بسبب الحرب في أوكرانيا. وبرغم هذا يعد الوضع الاقتصادي الصعب الحالي أفضل حالا مقارنة بالأمر الواقع الذي ساد سابقا.
وعلى الرغم من تباطؤ وتيرة التعاقدات العقارية في إيطاليا في العام المنتهي في سبتمبر، فقد توصلت إحصاءات بلومبرج إلى أن إجمالي العدد سيظل هو الأعلى منذ 2007.
تكشف هذه الإشارات عن أن المدينة هي أشبه ما تكون بالنجم الساطع، كما تؤكد على أن جاذبيتها تمتد لأبعد من النخبة المالية. ربما كان البريكست حدثا سيئا لكنه كان له تأثير إيجابي على ميلان.