نائب رئيس وزراء مصر الأسبق
الدكتور زياد بهاء الدين: التغير في القوانين ومنافسة الدولة ومعوقات التصدير والاستيراد عوامل تؤثر في جذب الاستثمارات
قال الدكتور زياد بهاء الدين – نائب رئيس وزراء مصر ووزير التعاون الدولي الأسبق – إن الاستثمار عنصر أساسي في نهضة مصر، والحكومة تهتم بشكل كبير به وتذلل العقبات لدفعه بصورة دائمة.
العالم لم يَعُدْ يتباهى بوجود حوافز استثمارية.. ولذلك فالحديث عن إدخال تعديلات وحوافز على قانون الاستثمار آلية قديمة
وأوضح أن قصة الاستثمار في مصر بدأت منذ عام 1971؛ حيث تم للمرة الأولى إصدار قانون للاستثمار، وقام بذلك الدكتور إبراهيم شحاتة، الذي وضع أفكارًا في غاية الحداثة في ذلك الوقت، واعتمد على وضع ضوابط قانونية تُمكِّن الدولة من جذب استثمارات كبرى بشكل سريع في عدد من المجالات، ويتم منح حوافز وضمانات للمستثمرين، ولكن بعد 30 عامًا أصبح القانون تقليديًّا والحوافز تقليدية، ولذلك سبقَنا العديد من الدول في جذب الاستثمارات.
جذب الاستثمارات
المستثمرون في جميع أنحاء العالم يحتاجون فقط إلى اقتصاد مُرحِّب وإجراءات تلبي جميع الاحتياجات
وتابع: «العالم حاليًّا لا ينظر ولا يتباهى بوجود قانون استثمار يعطي حوافز للمستثمرين، بل يتباهى بأنه لم يَعُدْ بحاجة إلى ذلك وأن اقتصاده مُرحِّب بأي استثمارات، ولذلك فإن التحدث عن قانون للاستثمار والبحث عن تعديلات له وحوافز إضافية للمستثمرين أصبح قديمًا، ونحن بحاجة إلى تغيير المنظومة وأن يكون النظام الاقتصادي مُرحِّبًا بالمستثمرين المصريين والأجانب وأن يوفر لهم كل احتياجاتهم».
صفقة رأس الحكمة هي أكبر استثمار في تاريخ مصر
وقال فيما يخص احتياجات مصر حتى تكون جاذبة للاستثمارات: «يجب التفكير في الهدف والسبب وراء الاحتياج إلى المزيد من الاستثمارات؛ فكل المشكلات التي نعاني منها في أي مجال اقتصادي تنتهي من خلال الاستثمار، كمشكلة البطالة، وذلك من خلال إنشاء المصانع وتوفير التشغيل والتصدير لجلب العملة الصعبة ولدفع الضرائب للدولة».
وأوضح أن هناك بعض التحديات التي تؤثر في جذب الاستثمارات إلى مصر، من بينها التغير المستمر في القوانين، ومنافسة الدولة في عدد من القطاعات، ونقص بعض الخبرات للعمالة التي يحتاج إليها المستثمر، بالإضافة إلى عدم توافر آليات التصدير والعملة الصعبة التي تُمكِّن المستثمرين من الاستيراد، مؤكدًا ضرورة إزالة كل العقبات التي تعترض طريق المستثمرين، خاصة في ظل المنافسة الكبيرة بين الدول حاليًّا.
منافسة الدولة للقطاع الخاص
التخارج الكامل للدولة من الاقتصاد لا يمكن تحقيقه لأنها تستثمر في مجالات لا يستطيع القطاع الخاص المخاطرة بها
وشدد على أن أهم المشكلات التي واجهت المستثمرين خلال الفترة الأخيرة هي منافسة الدولة للقطاع الخاص؛ حيث إن الدولة بالفعل اتسع نشاطها في آخر 5 سنوات، منوهًا بأن فكرة التخارج الكامل للدولة من النشاط الاقتصادي وترك المساحة كاملة للقطاع الخاص غير دقيقة ولا يمكن تحقيقها؛ فالدولة لا تنمو دون قيام الموازنة العامة والدولة بجزء أساسي في الاقتصاد، ولكن نحن بحاجة فقط إلى وضع قواعد تُحدِث توازنات حتى لا يحدث الاختلاط فيما بينها وليقوم كل قطاع بمهمته.
وأوضح أن وجود الدولة وقيامها بالاستثمار أمر هام لأن بمقدورها الإنفاق على مجالات استراتيجية وذات عائد طويل المدى لا يستطيع القطاع الخاص المخاطرة بالاستثمار فيها، ولكن الدولة تجاوزت تلك الحدود وأصبحت تستثمر في كل القطاعات، مشيرًا إلى أنه ليست هناك حاجة إلى خروج الدولة من مجال الاستثمار في كل القطاعات بشكل مبالغ فيه، ولكن نحن بحاجة فقط إلى وضع قواعد.
لدينا مدارس وجامعات ولكنها لا تنتج احتياجات السوق من العمالة
وأضاف: «كما يجب إصلاح المنظومة الضريبية ومشكلات الرسوم لجذب المستثمرين، وذلك بالإضافة إلى مشكلة العمالة، حيث نمتلك تعليمًا ومدارس وجامعات لا تنتج احتياجات السوق من العمالة، وهناك عدد من الشركات الدولية تأخذ عمالة من الخارج لعدم توافر عمالة مدربة، لذلك توجد مشكلة كبرى في موضوع التعليم، كما تعاني مصر من مشكلة البيروقراطية وبطء النظام القضائي، ويظل الأفراد في منازعات تجارية تستغرق وقتًا طويلًا، وإدارة القضاء بهذا النظام البيروقراطي والبطء تضرنا بشكل كبير».
صفقة رأس الحكمة
الصفقة يمكن أن تكون مثالًا جيدًا على استدامة الاستثمار إذا تحولت إلى مشروع ينتج صناعات ويُنشِئ فنادق ويجذب سياحًا
وقال الدكتور زياد بهاء الدين إن صفقة رأس الحكمة من أهم الصفقات التي حدثت في مصر، وتعتبر أكبر استثمار يدخل في تاريخ مصر.
وأكد أهمية استدامة الاستثمار في مصر، وصفقة رأس الحكمة يمكن أن تكون مثالًا جيدًا على استدامة الاستثمار إذا تحولت إلى مشروع ينتج صناعات ويُنشِئ فنادق ويجذب سياحًا ويقوم بتدريب العمالة، ومن ثم يصبح قاطرة تنمية لأشياء أخرى.
الديون
15 مليار دولار قيمة الديون التي اقترضتها مصر خلال الفترة الأخيرة
وقال: «إن وثيقة استراتيجية الاقتصاد المصري كانت غير موفقة، ولا أظن أنه تمت الاستعانة في وضعها بالخبرات المطلوبة، ولم تأخذ المناقشة الكافية من الحكومة، ولكن تعتبر رؤية مصر 2030 جيدة كإطار يتم العمل من خلاله»، مشيرًا إلى عدم وجود سياسة صناعية حقيقية في مصر.
وأوضح أن ديون مصر قد ارتفعت خلال الفترة الأخيرة، حيث زدنا من اقتراضنا من صندوق النقد بقيمة 5 مليارات دولار، واقترضنا من الاتحاد الأوروبي 7 مليارات، و3 مليارات من البنك الدولي، أي ما يصل إلى نحو 15 مليار دولار دفعة واحدة، منوهًا بأن الاستدانة شيء حتمي ولا تشكل في ذاتها مشكلة، ولكن الاستدانة بمبالغ كبيرة للإنفاق في أصول لن تُدِرَّ دخلًا على المدى القصير تُمثِّل مشكلة، ولكن إذا تمت الاستدانة من أجل بناء قاعدة صناعية ترفع من الدخل القومي فهذا شيء سليم، فيجب أن تكون الاستدانة ذات جدوى.
وأكد أن مصر لم تتخلف قط عن سداد ديونها الدولية، كما أننا تجاوزنا الأزمة الأخيرة في وسط شكوك العالم في الاقتصاد المصري، ومن الضروري الحفاظ على هذا المكسب، والديون حجمها موجود، وهي نسبة من الدخل القومي، لذلك يجب محاولة خفضها، بالإضافة إلى خفض الإنفاق الاستثماري الكبير ذي الأهمية القليلة، وعدم التوسع في مشروعات لا يوجد عليها طلب فوري.
الاستثمارات العامة
يجب ضخ الاستثمارات العامة في مشروعات ذات عائد اقتصادي وتخدم إنتاجية الدولة
وقال إن الاستثمارات العامة في البنية التحتية والنقل التي تمت خلال السنوات السبع الماضية كانت ضرورية، ويجب ضخ الاستثمارات العامة في المشروعات ذات العائد الاقتصادي أو التي تخدم إنتاجية الدولة وتسد احتياجات المواطنين، مثل الطرق والكباري والصوامع والصرف الصحي والمدارس، مثلما يحققه برنامج «حياة كريمة» الذي يستهدف رفع كفاءة 4 آلاف قرية، ويجب تأجيل المشروعات التي لا تحتاج إليها الدولة وذات العائد الطويل المدى.
وأشار إلى أن الحوكمة تؤثر في الاقتصاد لأنها مرتبطة بكفاءة استخدام الموارد، حيث إنها الوسيلة المثلى للوصول إلى أفضل قرار، كما يجب حل مشكلة البيروقراطية وتحسينها من خلال التدريب وإدخال عنصر التكنولوجيا والاهتمام بالموظفين وفهم الأسباب وراء انزعاجهم وتعاملهم بهذا الشكل.
مقارنة مصر بدول الخليج غير صحيحة لاختلاف الحجم والموارد والتاريخ
وشدد على أن مقارنة مصر بدول الخليج غير صحيحة، لأن مصر بلد معقد ومركب، وأوضاعها تختلف عن دول الخليج من حيث الحجم والتركيبة السكانية والموارد والتاريخ، ذلك فضلًا عن آليات الحوكمة في اتخاذ القرار الموجودة في البلد، بل يجب أن نقارن أنفسنا بدول مثل ماليزيا والمغرب، التي سبقتنا في مجال صناعة السيارات.
أهم القطاعات الاستثمارية في مصر
وقال فيما يخص أهم القطاعات الاستثمارية في مصر إن هناك أنواع استثمار على المدى القصير والبعيد؛ فعلى المدى القصير تأتي السياحة في المقدمة لأنها تقوم بتوفير فرص عمل وجذب موارد سريعة نسبيًّا، وتوفر عملة صعبة تستطيع بها الدولة دفع مديونيتها، ووزارة السياحة قامت بجهد كبير خلال الفترة الأخيرة، والأرقام كانت جيدة على الرغم من حرب غزة، وتوجهات وسياسات الوزارة خلال الفترة الأخيرة جيدة.
ولكن المشكلة أن عائد ونوع السياحة والأموال التي تأتي منها ليست خاصة بوزارة السياحة فقط؛ فالوزارة لا تتحكم في المرور ولا المطارات، بل تتحكم في نسبة بسيطة جدًّا وتجتهد خلالها، منوهًا بأن مصر أقل في معدلات السياحة مقارنة بدول أخرى مثل اليونان وإنجلترا، لذلك من الضروري زيادة عدد الغرف الفندقية وفتح الفنادق المتوقفة لعدم حصولها على تراخيص.
هناك بعض العناصر التي يجب توافرها.. منها الشفافية في المعلومات الاقتصادية وإصلاح البيروقراطية
وتابع: «وبالنسبة إلى الاستثمار على المدى المتوسط فيأتي عنصر الصناعة، لأنها توفر فرص عمل لحجم عمالة كبير، ولأنها ذات إنتاج مستدام وأقل عرضة للصدمات الخارجية، ويأتي على المدى البعيد اقتصاد المعرفة والتكنولوجيا».
وأشار إلى أن هناك بعض العناصر التي يجب توافرها لجذب الاستثمارات، مثل الشفافية في المعلومات الاقتصادية المطلوبة، وحدوث تغيير جذري في علاقة الدولة بالمجتمع الخاص والأهلي، وإصلاح البيروقراطية لأنها إن لم تكن جزءًا من الإصلاح فهي قادرة على تعطيل كل شيء.