مدبولى: التخطيط القومى أصبح نموذجا رائدا أقيمت على غراره معاهد عربية وإفريقية
ألقى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، كلمة مُسجلة، خلال الاحتفالية التي أقيمت اليوم بمناسبة مرور خمسة وستين عامًا على تأسيس معهد التخطيط القومي.
وأعرب رئيس الوزراء، في مستهل الكلمة، عن سعادته بالمشاركة في الاحتفال بمرور خمسة وستين عامًا على تأسيس معهد التخطيط القومي، وإلقاء كلمة بهذه المناسبة لأحد صروح ومؤسسات الدولة العريقة عبر تاريخها الممتد لآلاف السنين، متوجها بالتهنئة للدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، رئيس مجلس إدارة المعهد، والدكتور أشرف العربي، رئيس معهد التخطيط القومي، وزير التخطيط الأسبق.
وأشار الدكتور مصطفى مدبولي إلى أنه من الناحية التاريخية، يُعد معهد التخطيط القومي هو أول معهد يُنشأ في المنطقة العربية، بل وفي الشرق الأوسط أيضًا، وقد كان تأسيسه في صيف عام 1960 مواكبًا لتبني مصر لفكر التخطيط القومي الشامل والبدء في تنفيذ أول خطة خمسية للبلاد (60/1961-64/1965)، وكانت مجالات التنمية والتخطيط من المجالات البكر حينذاك، لذا كان إنشاء المعهد استجابة موفقة للحاجة الملحة للتأسيس العلمي لأنشطة التخطيط وقضايا التنمية عن طريق البحث العلمي الرصين من ناحية، وللحاجة الماسة إلى تأهيل الكوادر اللازمة للعمل التخطيطي والتنموي من ناحية أخرى.
وأوضح رئيس الوزراء أن نشأة المعهد كانت نشأةً قويةً، وذلك بفضل الرؤية الثاقبة والتخطيط الذكي لمؤسسه الدكتور إبراهيم حلمي عبد الرحمن، حيث ارتكزت النشأة القوية للمعهد على الأدوار التي أُنِيطت به في قانون إنشائه (القانون 231 لسنة 1960)، وتمثلت هذه الأدوار في إجراء البحوث والدراسات في مجالات التنمية والتخطيط ونشرها، وفي تنظيم البرامج التدريبية والتعليمية لتأهيل العناصر البشرية اللازمة لإعداد الخطط ومتابعة تنفيذها، وفي عقد المؤتمرات والندوات وما إليها من اللقاءات العلمية تشجيعًا للحوار العلمي حول قضايا التخطيط والتنمية، وفي إبداء الرأي في مشروعات القوانين والقرارات المتعلقة بالتخطيط القومي، وفي المساهمة في نشر الوعي بأهمية التخطيط ودوره في إنجاز التنمية المنشودة.
وأضاف رئيس الوزراء: مما ساعد في تحقيق النشأة القوية للمعهد حرص الأجيال الأولى على الانفتاح العلمي على العالم شرقه وغربه وشماله وجنوبه، وذلك من خلال البعثات الخارجية واستضافة عدد من كبار الأساتذة والخبراء في المجالات ذات الصلة بقضايا التنمية والتخطيط، مشيراً إلى أنه بفضل هذه الأمور جميعًا صار المعهد وهو لم يزل في مرحلة الصبا والشباب قبلة الكثيرين من طلاب العلم في مصر والعالم العربي، وسرعان ما أصبح المعهد نموذجًا رائدًا أقيمت على غراره وبمساعدة خبرائه معاهد وطنية للتخطيط في عدد من الدول العربية والأفريقية.
وأشار الدكتور مصطفى مدبولي إلى أنه تأكيدًا لدور المعهد كمركز رائد محليًا وإقليميًا للبحث العلمي وبناء القدرات في قضايا التنمية والتخطيط، وكجهاز ناشر للمعرفة، ويقدم المشورة العلمية للممارسين للتخطيط ولصناع السياسات، وكمساهم أيضًا في تنمية الوعي المجتمعي بأهمية التخطيط وضرورته للتنمية الجادة، فقد نفذ المعهد منذ نشأته وعبر تاريخه الممتد العديد من البحوث والدراسات والتقارير والفعاليات العلمية، والتي تغطى أساليب إعداد الخطط ومتابعتها لمختلف أبعاد التنمية المستدامة، مستهدفًا تزويد متخذي القرارات وواضعي السياسات على كافة المستويات، بالمعرفة والمشورة العلمية اللازمة للوصول إلى قرارات وسياسات رشيدة.
ونوه رئيس الوزراء إلى أن المعهد منذ تأسيسه في مطلع الستينيات من القرن العشرين كان رافدًا رئيسيًا لتزويد مؤسسات الدولة والحكومة بشكل خاص بالكوادر والكفاءات التي تولت مناصب قيادية فعالة ومؤثرة في مسيرة العمل الوطني، خاصةً فيما يتعلق بحقيبة وزارة التخطيط، ذاكراً في هذا الصدد، الدكتور إبراهيم حلمي عبد الرحمن في عقد الستينيات من القرن الماضي، وكلا من الدكتور إسماعيل صبري عبد الله، والدكتور محمد محمود الإمام في عقد السبعينيات، والدكتور كمال الجنزوري، والذي تولى رئاسة الحكومة في فترتين هامتين من تاريخ مصر، الأولى في عقد التسعينيات والثانية في العقد الثاني من الألفية الثالثة، وهو ذات العقد الذي تولي فيه كل من الدكتور عثمان محمد عثمان، والدكتور أشرف العربي وزارة التخطيط، والدكتور خالد فهمي وزارة البيئة، قائلا: "وقد تركوا جميعًا بصمات واضحة سوف يسجلها التاريخ بكل فخر واعتزاز".
وأضاف: كما عاصرت شخصيًا فضل السبق للمعهد - على المستوى الإقليمي - في إصدار عشرة تقارير عن التنمية البشرية في مصر بالمشاركة مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة خلال الفترة 1994 – 2010، والتي عالجت مجموعة من القضايا المهمة والحيوية في تلك الفترة، ولا تزال تمتد أهميتها حتى وقتنا الحالي، حيث شملت تلك القضايا موضوعات المشاركة السياسية، والفقر، والإنفاق الاجتماعي، والتعليم، والعولمة، والتنمية المحلية بالمشاركة، واللامركزية من أجل الحكم الرشيد، ونحو عقد اجتماعي جديد، والعقد الاجتماعي في مصر، ودور المجتمع المدني، فضلاً عن شباب مصر: بُناة مستقبلنا.
ولفت رئيس الوزراء إلى أنه في ضوء ما يمتلكه معهد التخطيط القومي من إمكانات وكوادر بشرية مؤهلة ومتنوعة التخصصات، وشبكة علاقات متميزة دوليًا وإقليميًا، فإنه يتوقع ويترقب مشاركة فاعلة من المعهد وداعمة لوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي في رسم صورة أقرب إلى الواقع لمستقبل التنمية في مصر في ضوء قرب الوصول لعام 2030، وأهمية تطوير الأداء التنموي خلال السنوات الخمس الأخيرة من استراتيجية التنمية المستدامة وما بعدها، وتحديدًا في الفترة ما بعد عام 2025، وفي ضوء ما ورد بالسردية الوطنية للتنمية الاقتصادية.
وأوضح رئيس الوزراء أن هذه المشاركة تكون من خلال رصد الاتجاهات والمخاطر العالمية واستشرافها، وتحليل انعكاساتها المحتملة على أوضاع التنمية في مصر وخياراتها في الأجلين المتوسط والطويل، وعلى الأخص الاتجاهات والتطورات التكنولوجية الحديثة، وكذا تعزيز البحوث الاستشرافية، لتضييق درجة عدم اليقين لدى المخطط ومتخذ القرار وصُناع السياسات، من خلال استخدام النماذج الكمية المناسبة وتحليلات البيانات الضخمة، وإعداد سيناريوهات مستقبلية في ضوء تقييم تجربة السنوات المنقضية من استراتيجية التنمية المستدامة: رؤية مصر 2030، وكذا في ضوء المستجدات العالمية والإقليمية والمحلية المعاصرة أو المتوقعة خلال السنوات القادمة.
وأضاف رئيس الوزراء: تتضمن المشاركة أيضا استشراف أدوار الاقتصاد التشاركي، واقتصاد المعرفة، والاقتصاد الرقمي، والاقتصاد الدائري، وغيرها من الاقتصادات المرتبطة بتطورات تكنولوجيات وابتكارات الثورة الصناعية الرابعة، وكذا استشراف التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للذكاء الاصطناعي وتطبيقاته على مستقبل التنمية في مصر، واستشراف الأدوار الجديدة للجهاز الإداري للدولة، في ظل التطورات التكنولوجية والتحول الرقمي في الإدارة العامة، ودورها في تعزيز قدرة الدولة على الصمود واستباق الأزمات وإدارتها، وكذا تطوير منظومات الحوكمة وتقييم الأداء والأثر على المستوى الوطني، بما يكفل التقييم الموضوعي للأثر المترتب على السياسات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية من خلال مؤشرات قياس الأداء المناسبة.
وأعرب الدكتور مصطفى مدبولي عن أمله في قيام إدارة المعهد بتوجيه اهتمام أكبر خلال الفترة المقبلة لبعض المجالات والقضايا ذات الأولوية، والتي وردت بخطة المعهد الاستراتيجية (2023 – 2030)، والتي من بينها: دور مصر الإقليمي والعالمي الجيوسياسي، في علاقته بالأمن القومي المصري، خاصة في ضوء المهددات والنزاعات الإقليمية والعالمية المتصاعدة وتداعياتها المستقبلية على مصر، والقضايا المرتبطة بمدى شمول أو احتوائية خطط التنمية وسياساتها، وعدم ترك أحد خلف الركب بما يشمله ذلك من التعامل مع قضايا النمو الاحتوائي والفقر والعدالة الاجتماعية، هذا إلى جانب قضايا الإصلاحات الهيكلية، وربطها بالتطورات التكنولوجية وقضايا البيئة والاقتصاد الأخضر والطاقة النظيفة والتمويل الأخضر المستدام، إضافة إلى قضايا سلاسل القيمة والإمداد العالمية، وعلاقتها بالنزاعات الجيوسياسية العالمية الراهنة والمتوقعة والتوترات بين الأقطاب المؤثرة عالميًا، وتأثيراتها المحتملة على مصر، هذا علاوة على قضايا التنمية العمرانية والحضرية، في ارتباطها بقضايا السكان والعدالة المكانية، وقضايا تطوير الإدارة المحلية، وأدوار الجهات والأطر المعنية بالتنمية الحضرية، وقضايا التحولات القيمية في المجتمع، وانعكاساتها على الأبعاد الاجتماعية للتنمية خاصة في ضوء انعكاسات التقنيات الحديثة على منظومات القيم المجتمعية والسلوك الإنساني، وكذا قضايا تغير المُناخ، والتي ترتبط أبعادها وتشابكاتها بكافة مجالات التنمية المستدامة وجودة الحياة في مصر والعالم، بالإضافة إلى ما يتعلق بتوطين التنمية المستدامة محليًّا، على مستوى المحافظات المصرية، والتشبيك الفعال مع مبادرات وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي؛ والتحالفات الأهلية في هذا الشأن.
واختتم الدكتور مصطفى مدبولي كلمته، بالإعراب عن تمنياته بالتوفيق لأسرة معهد التخطيط القومي في العمل على المزيد من إبراز دور المعهد كمركز فكر وطني، على غرار مراكز الفكر العالمية المؤثرة في صناعة السياسات ودعم اتخاذ القرار، وتعزيز التنمية المستدامة، وبما يعظم من الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة، وتحقيق التوازن الفعال بين التنمية والبيئة والمجتمع، وبما ينعكس في النهاية على تحقيق رفاهة المجتمع وتحسين مستوى معيشة المصريين، الذين تحملوا أعباء الإصلاحات الاقتصادية عبر العقود الماضية، ويستحقون من الجميع ألا يدخروا أي جهد، وأن يتم من أجلهم بذل الغالي والنفيس.