الجمعة، 22 نوفمبر 2024 08:05 ص
رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
بدور ابراهيم
عاجل
مقالات

المدن الذكية لم تعُد رفاهية

الأربعاء، 29 أبريل 2020 09:07 م

فرضت التكنولوجيا ووسائل الاتصالات الحديثة نفسها بقوة فى الفترة الراهنة، فلولاها لما استمر العمل وما حققنا نتائج ايجابية فى ضوء الإجراءات الاحترازية التى اتخذتها الدولة لمنع تفشى فيروس كورونا.

فأظهرت «كورونا» أن التكنولوجيا الحديثة وخلق مدن ذكية متكاملة لم يعد «رفاهية» كما كان يطلق عليه فى السنوات الأخيرة، بل أصبح أمرًا لا غنى عنه ولولاه لكانت توقفت الحياة والأعمال كلية فى الأيام الماضية.

وسيمتد تأثير هذه المرحلة فى السنوات المقبلة، إذ إننا سنشاهد تغيرًا تامًا فى نمط الحياة، وذلك كون التكنولوجيا تمكنت من لعب دور مهم فى نجاح التباعد الاجتماعى مع المحافظة على العلاقات الإنسانية وسير العمل عن طريق تطبيق مبدأ العمل من المنزل خلال الظروف الراهنة، فكما كانت الأجهزة الكهربائية والاختراعات التكنولوجية وغيرها تصنف بالماضى البعيد رفاهيات وكماليات أثبتت فى وقت زمنى قصير أنها شىء لا غنى عنه وتُصنَّف ضمن أساسيات الحياة.

المثل نفسه ينطبق على المدن الذكية التى تمتلك بنية تحتية قوية من الفايبر أوبتكس والتى تضمن خدمات الإنترنت السريعة التى تلبى الاحتياجات وكذلك الوسائل التكنولوجية التى تقلل التواصل المباشر بين البشر، فيتم على سبيل المثال دفع فواتير الخدمات عبر الموبايل، كذلك إتاحة عقد اجتماعات العمل أون لاين.

ورغم التكلفة المرتفعة لإنشاء هذه المجتمعات مقارنة بالتقليدية، فإنها تقلل النفقات مستقبلاً على العملاء المتمثلة فى مصاريف الصيانة والتشغيل، فتتراوح نسبة الوفر بها بين 25 و30%، وترتفع نسبة كفاءة استخدام الطاقة حوالى 50% مقارنة بالمجتمعات التقليدية.

وأثبت الظرف الراهن أنه لا غنى عن الأساليب التكنولوجية، فقد تمكنت الشركات من التواصل مع جميع الموظفين من المنزل وعقد اجتماعات إدارية وكذلك التواصل مع العملاء وإتمام العمليات البيعية عبر تقنيات «الفيديو كونفرانس»، وكل ذلك فى بيئة تحتية تقليدية، فلو كانت بنية تتبع المدن الذكية لكانت العمليات أسرع وأكثر كفاءة.

ولا شك أن «كورونا» ستفرض متغيرات سلوكية على الأفراد فى مختلف دول العالم من حيث الحرص على التباعد الاجتماعى قدر الإمكان للوقاية من انتقال الأمراض وتقليل الانتقالات وإتاحة العمل منزلياً بما سيحتم ضرورة تطوير العمران والتوسع فى تخطيط المدن المستدامة والذكية.

فالعميل سيبحث عن مشروعات بمدن تحقق مفهوم الاستدامة، وهى المدن المتكاملة التى تشمل جميع الخدمات من السكن والمدارس والجامعات والخدمات التجارية والإدارية والطبية والترفيهية، بما يضمن تقليل إمكانية الخروج من المدينة وتقليل الانتقالات واستعمال وسائل المواصلات وأيضاً تقليل الاعتماد على الطاقة التقليدية، كون هذه المدن تراعى استخدام الطاقة البديلة.

وخلال السنوات الأخيرة وضعت الدولة نُصب أعينها أمثلة ناجحة بناءً على اطلاعها على احتياجات ومتغيرات العالم، ووجدت أن التوجه للمدن الذكية والمستدامة هو أمر قادم لا جدال فيه، ولذلك بادرت بالإعلان عن إنشاء حزمة من المدن الجديدة التى تتميز باستخدام البنية التكنولوجية القوية وتقديم مشروعات تمثل نماذج للمدن المستدامة مثل العاصمة الإدارية الجديدة والعلمين الجديدة وغيرهما من مدن الجيل الرابع.

واتساقاً مع اتجاه الدولة، يقوم القطاع الخاص بتطوير مدن جديدة على النهج نفسه، مثل مدينة مستقبل سيتى فى القاهرة الجديدة التى تطورها شركة المستقبل للتنمية العمرانية، وهى تعد عودة ناجحة لنموذج المطور العام وتحتوى على مشروعات تطور من قبل القطاع الخاص، وتمثل انعكاسًا متكاملاً للمدن المستدامة اقتصاديًا وعمرانيًا، مثال على ذلك مشروع «بلومفيلدز» الذى تعمل شركة تطوير مصر على تطويره.

فالمخطط العام لهذا المشروع يقوم على توفير جميع العناصر التى يحتاج إليها العميل مثل جامعة وعدة مدارس ومناطق تجارية وترفيهية ورياضية وصحية وسكنية، وذلك لكى لا يضطر العميل للخروج من المجتمع، كما تتم مراعاة تقليل الاعتماد على السيارات وتوفير ممرات للمشى ومسارات لاستخدام الدراجات بالإضافة إلى توفير البيئة الصحية المناسبة من الهواء النقى والشمس والمساحات الخضراء وأيضًا النسب البنائية السكنية التى تراعى تقليل الكثافة ومنع التكدس والازدحام، وكذلك يتم استخدام الطاقة البديلة والتى تقلل التكاليف على العميل .

كما يُراعى فى مثل هذه المشروعات استخدام أعلى الآليات التكنولوجية والتعاون مع الشركات العالمية المتخصصة فى خلق بيئة ذكية وتهتم بمفهوم المجتمعات السعيدة لتتلاءم مع احتياجات وتحديات العصر.

وختامًا أوكد أن توجه الدولة والقطاع الخاص إلى تطبيق هذه النماذج بات ضرورة ملحة وهو ما ظهر مؤخرًا، وستشهد الفترة المقبلة أكثر من تجربة فى ضوء احتياجات العملاء إلى ذلك.

أستاذ التنمية العمرانية والعمارة بكلية الهندسة جامعة القاهرة والرئيس التنفيذى والعضو المنتدب لشركة تطوير مصر