التنفيذ الذاتي وضياع الرؤية لأنشطة التطوير
تتسم صناعة التطوير العقاري بالتغيرات المتلاحقة والسريعة للسوق مقارنة بالعديد من المجالات الاستثمارية الأخرى، وقد حدثت تغيرات كثيرة في صناعة التطوير العقاري مقارنة بالسنوات العشر الماضية، ولا يقتصر التغير على شريحة العملاء المستهدفة أو المناطق العمرانية أو شكل المنتج من حيث المساحات والمواصفات فقط، بل يشمل التغير استراتيجية صناعة التطوير العقاري.
وقد قمت -قبل نشاطي الحالي كمستشار للتطوير العقاري- بإدارة عدد من الشركات العاملة في مجال التطوير العقاري منذ 40 عامًا قامت بتطوير أكثر من 100 مشروع عقاري بمناطق مختلفة بالإسكندرية والقاهرة والساحل الشمالي و6 أكتوبر والقاهرة الجديدة، بالإضافة إلى تطوير مشروعات خارج مصر في كل من لبنان والسودان، وخلال السنوات الخمس الأولى من نشاطي من عام 1979 إلى 1985 كنت أقوم بالتنفيذ الذاتي للمشروعات التي أقوم بتطويرها، وبعد عام 1985 قمت بإعادة هيكلة لشركة التطوير وإسناد أعمال التنفيذ إلى شركات المقاولات المتخصصة، وكنت أقوم بإسناد المشروع الواحد لأكثر من مقاول لخلق المنافسة بينهم في زمن التنفيذ وجودة التنفيذ، وأيضًا للحصول على أفضل الأسعار، وقد حققت بذلك قصص نجاح في تطوير عدد كبير من المشروعات مثل سلسلة قرى «مينا» بالساحل الشمالي ومشروعات «مينا جاردن» بغرب القاهرة وشرقها، وكذلك المشروعات في لبنان والسودان.
وفي السنوات الأخيرة لاحظت قيام عدد من شركات التطوير العقاري العاملة في السوق بالتنفيذ الذاتي كمقاول للمشروعات التي تقوم بتطويرها، سواء كان لها خبرة في أعمال تنفيذ المقاولات أو لا، ويمكن أن يحقق ذلك وفرًا في تكلفة التنفيذ للمشروع لتوفير فرق تكلفة الاستعانة بشركات المقاولات، ولكن مع المتغيرات والقوانين الأخيرة الخاصة بتطبيق ضريبة القيمة المضافة على نشاط التنفيذ الذاتي بشركات التطوير، بالإضافة إلى المنافسة بين شركات التطوير العقاري -وخاصة في العاصمة الإدارية الجديدة أو الساحل الشمالي- يحدث العكس، حيث يكون ذلك على حساب التركيز في إدارة أنشطة التطوير لأن أعمال المقاول والتنفيذ الذاتي للمشروع بها العديد من التفاصيل الدقيقة مثل إدارة المشتريات وإدارة المخازن للخامات الموردة للموقع ونقل المعدات وتشغيلها وصيانتها بالموقع وإدارة عدد كبير من مقاولي الباطن لهم أعباء إدارية ومالية وتفاصيل كثيرة تأخذ وقتًا وجهدًا كبيرًا من الإدارة العليا لشركة التطوير.
وإدارة هذه التفاصيل تسبب ضياع الرؤية للإدارة العليا، وأيضًا إهدار الوقت المخصص لإدارة الأنشطة المهمة لنشاط التطوير العقاري من حيث التركيز على الأنشطة الرئيسية والهامة لصناعة التطوير العقاري، وهي أنشطة الإدارة التجارية للمطور من حيث البيع والتسويق الجيد للمنتج العقاري وكيفية الوصول إلى الشرائح المستهدفة التي لديها القدرة والحاجة إلى مخاطبتها، إلى جانب رصد متغيرات السوق للمنتج العقاري ودراستها وإعداد الخطط التوسعية للمشروعات الجديدة بالسوق.
وأيضًا أنشطة الإدارة الفنية التي تكون مسؤولة عن إدارة عقود التصميم للمشروع والدراسات الخاصة بالتكلفة التقديرية له ومتابعة هذه التكلفة خلال مراحل تطوير المشروع للانتهاء من تسليم المشروع بالتكلفة المقدرة أو بأقل انحراف ممكن، وكذلك حساب الانحراف المتوقع عند الانتهاء من المشروع واتخاذ الإجراءات التصحيحية له خلال مراحل التنفيذ الابتدائية، وأيضًا التخطيط والمتابعة بالموقع وإدارة عقود المقاولين واستشاريي الإشراف بالموقع ورصد أي انحراف في الوقت والجودة وتصحيحه.
ولذلك أنصح المطورين العقاريين الذين يمارسون النشاطين معًا (التطوير العقاري والتنفيذ الذاتي للمشروع كمقاول) بإسناد أعمال التنفيذ إلى شركات مقاولات متخصصة، أو بفصل أنشطة التنفيذ الذاتي والعاملين في هذه الأنشطة في شركة مستقلة للمقاولات وتعيين مدير تنفيذي له خبرة سابقة وكفاءة في نشاط المقاولات، ويمكن متابعة الإدارة التنفيذية والأداء الفعلي مقارنًا بالمخطط لشركة المقاولات من خلال اجتماعات دورية لمجلس إدارة يتم اختياره من المساهمين وذوي الخبرة في المجال.
وبذلك يمكن تخفيف الأعباء الفنية والإدارية الخاصة بنشاط التنفيذ الذاتي على الإدارة العليا لشركات التطوير لتقوم بالتفرغ والتركيز على الأنشطة الهامة للتطوير (التجارية والفنية) التي أوضحناها عاليه، مما يزيد من فرص تحقيق الأهداف المخططة للمشروعات، فتقوم شركات التطوير العقاري بتطويرها وتحقيق النجاح في تسليم وحدات المشروع بالتكلفة المخططة والجودة المطلوبة وفي الزمن المخطط.