توقعات بحدوث تسونامي من انقطاع الخدمات في الولايات المتحدة
بات من المتوقع حدوث تسونامي من انقطاع الخدمات في الولايات المتحدة جراء تعثر المستهلكين عن سداد فواتير المرافق المتراكمة وسط ارتفاع أسعار جميع السلع.
وكشف تقرير لوكالة بلومبرج عن تزايد معاناة الأمريكيين جراء التأخر في سداد فواتير المرافق وإقبال شركات المرافق نتيجة لهذا على قطع الخدمات.
استيقظت أدرايان نايس في وقت مبكر من صباح 25 يوليو لتواجه واقعاً مزعجاً، فقد قطعت شركة إكسل إنيرجي الكهرباء عن شقتها الصغيرة التي تعيش فيها مع ابنها المراهق في مينيابوليس فيما تجتاح المدينة موجة حر.
عانت نايس مادياً منذ انتشر الوباء، فقد تراكمت عليها فواتير المرافق التي زادت عن 3000 دولار. كان التحذير الذي تلقته في البيان الشهري واضحاً بأحرف كبيرة تقول "الإنذار الأخير"، قد هيّأها للأمر إلى حد ما، لكن الأمر المزعج يتمثل في رؤية الثلاجة مظلمة والمكيف لايعمل. كانت نايس بحاجة لاستعادة التيار الكهربائي مجدداً بسرعة، حيث ستبلغ الحرارة في الأيام المقبلة 35 درجة مئوية.
أسرة نايس هي واحدة من حوالي 20 مليون عائلة تخلّفت عن سداد فواتير الخدمات العامة في جميع أنحاء البلاد، أي قرابة منزل من كل ستة منازل أميركية. بيّنت جمعية مديري مساعدة الطاقة الوطنية الأميركية أنَّ هذه هي أسوأ أزمة وثقتها في تاريخها، ويعززها الارتفاع الحاد في أسعار الكهرباء مدفوعاً بارتفاع تكلفة الغاز الطبيعي.
أزمة أشد في أوروبا
أزمة فواتير الكهرباء في أوروبا أشد، حيث كان الارتفاع الحاد في أسعار الغاز الطبيعي أكبر بكثير في أعقاب غزو روسي لأوكرانيا. انطلق صانعو السياسة هناك إلى العمل، فقدّموا مساعدات بمليارات اليورو للأسر المتعثرة لإعانتها على دفع الفواتير. لم يكن هناك أي حديث يحمل مغزى عن فعل أي شيء على نطاق مماثل في الولايات المتحدة، إذ كُرِّست الجهود، كما هو الحال دائماً، لتقلبات أسعار البنزين في المحطات.
قد يكون لانقطاع خدمات المرافق عواقب وخيمة، وأصبح هذا الخطر واضحاً مع تحطيم درجات حرارة الصيف لأرقام قياسية. يواجه المزيد من الناس خياراً بين الإنفاق على الطعام والسكن أو الحفاظ على الكهرباء، وذلك بسبب ارتفاع أسعار كل شيء تقريباً. قال جان سو، كبير المحامين في مركز التنوع البيولوجي الذي يتتبع انقطاع خدمات المرافق في جميع أنحاء الولايات المتحدة: "أتوقَّع حدوث تسونامي من انقطاع الخدمات".
وباء تبعه تضخم
تعمل نايس، 45 عاماً، في تنظيف المنازل. توقفت عن العمل بين عشية وضحاها تقريباً عندما اجتاح فيروس "كوفيد-19" ولاية مينيسوتا في مطلع 2020. تحسنت الأمور مرة أخرى، لكنَّ التضخم بدأ يستهلك ما تجنيه، فقد وصلت تكلفة ملء سيارة "نليس"، وهي قديمة من طراز "ساترن" وتستخدمها بالتنقل من منزل لآخر، حوالي 50 دولاراً في الأسبوع حالياً.
وجدت نايس أنَّه يستحيل تخصيص ما يكفي من المال للمرافق، خاصة في ظل تضاعف فاتورة الكهرباء خلال العام الماضي. انتقلت صديقتها التي كانت تعيش معها في الشقة برفقة طفليها في منتصف 2021. برغم استخدام أسرة نايس قدراً أقل من الكهرباء، إلا أنَّه ما يزال يتم تحصيل المبلغ نفسه تقريباً بشكل شهري بمتوسط 244 دولاراً أميركياً. قالت نايس: "أنا لا أفهم كيف يمكن أن تكون الكهرباء باهظة إلى هذا الحد."
شهدت شركة "بي جي آند إي" (PG&E) في كاليفورنيا قفزة وصلت إلى أكثر من 40% في عدد العملاء السكنيين المتخلّفين عن سداد المدفوعات منذ فبراير 2020. كما ارتفع إجمالي العملاء المتأخرين عن السداد لمدة 90 يوماً في شركة "بابليك سيرفيس إنتربرايز" (Public Service Enterprise) أكثر من 30% منذ مارس.
ارتفاع أسعار الكهرباء
ارتفع متوسط السعر الذي يدفعه المستهلكون للكهرباء 15% في يوليو مقارنة بالعام السابق، وهي أكبر زيادة في 12 شهراً منذ 2006. يُصَعِّب تنظيم أسعار الكهرباء على مُقدمي الخدمة تمرير تكاليف الوقود المرتفعة على الفور، لذا قد تكون الارتفاعات الأخيرة هي مجرد بداية. استيقظت الولايات المتحدة على مشكلة ابتليت بها دول أخرى حول العالم منذ العام الماضي. فرضت الحكومة الألمانية ضريبة قدرها 296 دولاراً على الأسر لدفع ثمن الغاز الطبيعي، في ظل تقليص روسيا لتدفقات الطاقة إلى أوروبا بعد غزو أوكرانيا. كما تَضَاعف الدعم الحكومي لفواتير الطاقة في المملكة المتحدة إلى 482 دولاراً لكل أسرة بداية من أكتوبر، لكنَّ الأسعار ترتفع بشكل هائل لدرجة أن َّالدعم قد لا يكفي. وقَّع أكثر من 100 ألف شخص تعهداً من مجموعة حملة "لا تدفع للمملكة المتحدة" لإلغاء مدفوعات الخصم المباشر للطاقة في أول أكتوبر.
آسيا تعاني أيضاً
ارتفعت فواتير الكهرباء في اليابان وتايلندا، إذ تصارع الدولتان تكاليف الوقود الباهظة التي تفاقمت بسبب تراجع عملتيهما. في حين عانت باكستان وبنغلادش، اللتان أخفقتا في المنافسة العالمية على الوقود المكلف، من انقطاع التيار الكهربائي وزيادة فواتير الكهرباء.
منعت بعض الولايات والمرافق، خلال الأيام الأولى من انتشار الوباء، قطع التيار الكهربائي، وهو ما حمى عملاء مثل نايس، الذين واجهوا أوقاتاً عصيبة. تراجعت هذه الإجراءات بمجرد زيادة التضخم. تدين الأسر الأميركية بحوالي 16 مليار دولار في فواتير الطاقة المتأخرة، أي ضعف إجمالي ما قبل الوباء، وفقاً لبيانات جمعية مديري مساعدة الطاقة الوطنية الأميركية. ارتفع متوسط الرصيد المستحق 97% منذ 2019 إلى 792 دولاراً. قال مارك وولف، المدير التنفيذي لجمعية مديري مساعدة الطاقة الوطنية الأميركية: "إنَّ مبالغ الفواتير ليست في متناول الجميع. لا يمكن للبسطاء دفعها".
بالنسبة للمرافق الأميركية المملوكة لمستثمرين؛ فإنَّ التداعيات المالية لتراكم الديون من فواتير العملاء غير المسددة عادة ما تكون محدودة. يرجع ذلك إلى أنَّ المنظمين في الولاية غالباً ما يسمحون للمرافق باسترداد خسائرهم عن طريق إضافة رسوم للعملاء الذين يدفعون فواتيرهم، أو أن يساعد دافعو الضرائب بتغطية الخسائر.
في حالة نايس، انقطعت الكهرباء عن منزلها لثلاثة أيام فقط، وساعدها مجلس مرافق المواطنين في ولاية مينيسوتا غير الهادف للربح للتفاوض بشأن خطة دفع مع شركة "إكسل". إنَّ التجربة التي مرت بها نايس شائعة، فالمرافق تقطع الكهرباء عن العملاء فقط كملاذ أخير، وفقاً لشركة "إكسل". قال وولف إنَّ حوالي 80% من عملاء المرافق في الولايات المتحدة الذين يتعرضون لانقطاع الخدمة سيستعيدونها في غضون أيام قليلة. ومع ذلك؛ فإنَّ الـ20% المتبقية قد تكون موشكة على الطرد أو التشرد.
إعانات أدنى
برغم أنَّ برنامج دعم الطاقة المنزلية لمنخفضي الدخل (Liheap) التابع للحكومة الأميركية يساعد الأسر ذات الدخل المنخفض على دفع فواتير الطاقة، إلا أنَّه ما يزال بعيداً عن حجم الإعانات التي تقدّمها بعض البلدان في أوروبا وآسيا.
تتزايد النداءات التي تدعو الولايات والحكومة الفيدرالية لتقديم مزيد من المساعدة. طلبت مجموعة من الحزبين تضم نحو 60 من أعضاء مجلس الشيوخ والنواب الأمريكيين في أوائل أغسطس تمويلاً طارئاً إضافياً يتجاوز مبلغ 4 مليارات دولار المخصصة لبرنامج دعم الطاقة المنزلية لمنخفضي الدخل للسنة المالية 2023. أقرت كاليفورنيا للتو ميزانية ستقدم 1.4 مليار دولار لمساعدة السكان على دفع فواتير الخدمات العامة المتأخرة.
وافقت شركة "إنترجي" (Entergy) في يوليو على وقف قطع الخدمة في نيو أورليانز حتى أكتوبر، بعدما طلب مجلس المدينة من الشركة وقف قطع الاتصال طواعيةً خلال حر الصيف. قال وولف، الذي يتوقَّع زيادة في قطع الخدمات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، إنَّ الوقف ما هو إلا إجراء مؤقت، مضيفاً: "التضخم يضرب الناس بشدة. كما أنَّ المرافق لم تُعد للتعامل مع عدد الأشخاص الذين لا يستطيعون دفع فواتيرهم".
يزيد الصيف الحار من خطر فقدان الكهرباء بالنسبة لبعض الناس. هناك 41 ولاية تتمتّع بنوع من الحماية ضد انقطاع الخدمة خلال فصل الشتاء، في حين لدى 19 ولاية فقط قوانين أو لوائح تمنع قطع الخدمات في الطقس الحار، وفقاً لمختبر عدالة الطاقة بجامعة "إنديانا". ارتبطت 188 وفاة بالحرارة في الولايات المتحدة سنوياً بين 2017 و2021، ارتفاعاً من 81 حالة في المتوسط في السنوات الخمس التي سبقت ذلك.
قال ديفيد كونيسكي، المدير المشارك لمختبر عدالة الطاقة، إنَّ العادة جرت أن تركّز الولايات والجهات التنظيمية على حماية العملاء خلال أشهر الشتاء الباردة، لكنَّهم يحتاجون لإعادة النظر مع تغيّر المناخ الذي قد يتسبّب بموجات حرارة طويلة ومستمرة. يؤدي ارتفاع درجات الحرارة بالفعل لزيادة الطلب على الكهرباء وزيادة فواتير الخدمات العامة. أضاف كونيسكي أنَّ قطع الخدمات بعد تخلّف الناس عن سداد الفواتير "يرجح أن يصبح أسوأ في السنوات والعقود المقبلة. إنَّه ارتفاع أسعار وموجات حر واحتياجات متزايدة للكهرباء".