الانبعاثات الكربونية من الآلة الحربية الإسرائيلية علي غزة تعادل حرق150ألف طن فحم
أدت الغارات الكثيفة التي أطلقتها الآلة الحربية الإسرائيلية علي قطاع غزة على مدار الستين يوما الأولي بعد هجوم مقاتلي حماس المفاجئ على إسرائيل إلى انبعاث أكثر من 281 ألف طن من الانبعاثات الكربونية الغازية الأخرى التي تسبب ظاهرة الاحتباس الحراري أو ما يعادل حرق ما لا يقل عن 150 ألف طن من الفحم لتتفوق على الانبعاثات التي تنتجها أكثر من 20 دولة من أكثر الدول تعرضا لتغير المناخ لمدة عام كامل.
ونشرت صحيفة الجارديان البريطانية دراسة جديدة عن الانبعاثات الكربونية المسبِّبة لظاهرة الاحتباس الحراري التي نتجت عن الحرب في غزة والتي أجراها باحثون من المملكة المتحدة والولايات المتحدة أن 99 % من إجمالي 281 ألف طن متري من ثاني أكسيد الكربون، انبعثت في أول 60 يوم من القصف الجوي والغزو البري الإسرائيلي لغزة وأن ما يقرب من نصفها نتج بسبب طائرات الشحن الأميركية التي تنقل الإمدادات العسكرية إلى إسرائيل.
تحليل الانبعاثات الكربونية المنبعثة من الطائرات والدبابات والمركبات الأخرى في غزة
وقام فريق الدراسة بتحليل الانبعاثات الكربونية المنبعثة من الطائرات والدبابات والمركبات الأخرى، بالإضافة إلى الانبعاثات الناتجة عن صنع وتفجير القنابل والمدفعية والصواريخ ووجد أن الصواريخ التي أطلقتها حماس على إسرائيل في الفترة نفسها نتج عنها حوالي 713 طنا من ثاني أكسيد الكربون، بما يعادل حوالي 300 طن من الفحم، مما يؤكد انعدام التكافؤ في آلية الحرب لدى إسرائيل ومقاتلي حماس.
وأكد بنجامين نيمارك أحد كبار المحاضرين بجامعة كوين ماري البريطانية في التقرير الذي نشرته صحيفة الجارديان البريطانية أن الانبعاثات الكربونية الناتجة عن مهمات الطائرات والدبابات والوقود من المركبات الأخرى، بالإضافة إلى الانبعاثات الناتجة عن صنع وتفجير القنابل والمدفعية والصواريخ، لا يشمل الغازات الأخرى المسببة للاحتباس الحراري مثل الميثان، لذلك فإن الدراسة لا تعطي سوى صورة جزئية لانبعاثات الكربون الهائلة والملوثات السامة الأوسع التي ستبقى لفترة طويلة بعد انتهاء الحرب.
الانبعاثات الكربونية التي تسببت فيها إسرائيل في غزة يجب ألا تمر دون مساءلة
وأوضح نيمارك الذي قاد الدراسة بمشاركة باحثين من جامعة لانكستر، ومشروع المناخ والمجتمع بمركز أبحاث لسياسات المناخ مقره الولايات المتحدة أن هذه الانبعاثات الكربونية التي تسببت فيها إسرائيل يجب ألا تمر دون مساءلة، وأن الاستثناء البيئي الذي تتمتع به الجيوش والذي يسمح لها بالتلوث مع الإفلات من العقاب يجب أن يتوقف وأن هذه المساءلة الدولية عن هذه الانبعاثات، تأتي بعد أن يتم إضافة بنود واضحة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ والانبعاثات الكربونية العسكرية، والتي يجب أن تشمل أيضا الانبعاثات التي ستنتج عن إعادة الإعمار.
ويرى الباحثون الذين أجروا هذه الدراسة أن تكاليف الانبعاثات الكربونية من إعادة بناء 100 ألف مبنى متضرر في غزة باستخدام تقنيات البناء المعاصرة؛ ستولد ما لا يقل عن 30 مليون طن من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وهذا يعادل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية في نيوزيلندا وأعلى من 135 دولة ومنطقة أخرى بما في ذلك سريلانكا ولبنان وأوروجواي.
مساءلة الجيوش عن الانبعاثات الكربونية الى تتسبب فيها
وقال هشام عيسى الخبير المصري والمنسق الوطني السابق لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ إن مساءلة الجيوش عن الانبعاثات الكربونية الى تتسبب فيها وإن كانت قد تجددت حاليا وأصبحت أكثر قوة بعد حرب غزة، فإنها ليست جديدة رغم اقتناع نيمارك وغيره من الباحثين الذين درسوا البصمة الكربونية للحروب بضرورة إدراج العواقب المناخية للحروب في الاتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ.
وأكدت حرب غزة هذه المطالب ولكن الخبرة الماضية تشير إلى أن هناك صعوبات في تقدير البصمة الكربونية العسكرية، لذلك دائما ما تتجنب سكرتارية مؤتمرات الأطراف الخاصة باتفاقية المناخ إدراجها في المفاوضات، ويقتصر الحديث عنها في فعاليات على هامش مؤتمرات قمة المناخ بحسب هشام عيسى الذي وصف الحديث عن الانبعاثات الكربونية للحروب بأنه أمر عبثي ومحاولة لدفع قضية الحروب لمنطقة هامشية ولكن الآثار المدمرة لحرب غزة ستصل لجميع الدول عبر تأثير انبعاثاتها الضارة في تغير المناخ العالمي.
الدبابات الكهربائية تفجر الجحيم في البلد الذي تذهب إليه بطريقة صديقة للبيئة
وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب علق في أحد خطاباته على مساعي إدارة الرئيس بايدن لجعل الآليات العسكرية تعمل بالطاقة النظيفة، وقال ساخرا: "الدبابات إذا كانت كهربائية، فإنها ستفجر الجحيم في البلد الذي تذهب إليه، لكن على الأقل ستقوم بذلك بطريقة صديقة للبيئة" بينما شدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، والعاهل الأردني الملك عبد الله، خلال قمة تغير المناخ الماضية في دبي (كوب 28)، على أن المناقشات بشأن تغير المناخ ينبغي ألا تستبعد تأثيرات القصف الإسرائيلي المستمر علي سكان غزة.
وتشمل الانبعاثات الكربونية المباشرة المسببة للاحتباس الحراري تلك الناتجة عن الطائرات والآليات العسكرية من كميات الوقود الضخمة التي تستهلكها الطائرات النفاثة والصواريخ ومن انبعاثات غازات الدفيئة غير المباشرة المرتبطة بتشغيل الكهرباء أو البخار أو الحرارة أو التبريد الناتجة عن حرق الغاز لإنتاج الكهرباء لإضاءة ثكنات عسكرية ومن الانبعاثات في سلاسل التوريد العسكرية واسعة النطاق، وتتضمن الكربون المنبعث من تصنيع الأسلحة وتشغيل تكنولوجيا المعلومات وغيرها من الخدمات اللوجستية علاوى على الأضرار الناجمة عن إعادة البناء في مرحلة ما بعد الصراع.
الحرب الأمريكية في العراق نتج عنها 7٪ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية
ومن جهة أخرى أشار الباحثون الذين أجروا هذه الدراسة إلى أنه أثناء احتلال الجيش الأميركي للعراق قام ببناء مئات الأميال من الجدران في بغداد كجزء من إستراتيجيته لمكافحة التمرد في المناطق الحضرية، واستخدمها للحماية من الأضرار الناجمة عن القنابل التي زرعها المتمردون، ولإدارة تحركات المدنيين والمتمردين داخل المدينة عن طريق توجيه السكان عبر الطرق ونقاط التفتيش المصرح بها.
وكانت الانبعاثات الكربونية لهذه الخرسانة بصمة كربونية هائلة، بلغت ما يقرب من 7٪ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، وكانت الجدران الخرسانية في بغداد وحدها بطول 412 كيلومترا أي أطول من المسافة من لندن إلى باريس، وتسببت بانبعاث ما يقدر بنحو 200 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون وما يعادله من الغازات الأخرى، بما يمثل تقريبا إجمالي انبعاثات عادم السيارات السنوية في بريطانيا.
الانبعاثات الكربونية من الحروب وتأثيراتها طويلة الأمد على المناخ
وكان الاهتمام سابقا بالتأثيرات البيئية للحروب لما تخلفه من مواد كيميائية سامة تلوث التربة والمياه لعقود من الزمن حتى بعد توقف القتال، ولكن الاهتمام العالمي مؤخرا بقضايا تغير المناخ ولاسيما بعد الأحداث المناخية المتطرفة التي وقعت خلال السنوات الخمس الماضية، ساهم في فتح الصندوق الأسود لتأثير الحروب في الانبعاثات الكربونية وتأثيراتها طويلة الأمد على المناخ.
فقد وجد الباحثون في الحرب الروسية الأوكرانية نموذجا عمليا لبيان حجم التأثير الذي تحدثه الحروب، وطالبوا قبل نحو عامين في تقرير أعدته مبادرة حساب الغازات الدفيئة للحرب الروسية الأوكرانية من جانب رابطة لخبراء المناخ يقومون بتقدير تأثير الحرب على المناخ بإضافة بنود إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ تتضمن الانبعاثات الكربونية العسكرية وجاءت الحرب الإسرائيلية على غزة لتدعم هذا المطلب بعد أن كشفت دراسة حديثة لباحثين بريطانيين وأميركيين عن حجم هائل من الانبعاثات الكربونية نجم عن الحرب الروسية الأوكرانية والتي بلغت في سنتها الأولى فقط أكثر من 120 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، وهذا يعادل تقريبا الانبعاثات الكربونية السنوية لدولة مثل بلجيكا.