البنك المركزي الأرجنتيني يقلص الفائدة بنسبة 20% برغم ارتفاع التضخم لأكثر من250%
أعلن البنك المركزي الأرجنتيني اليوم الثلاثاء عن تخفيف السياسة النقدية بتخفيض أسعار الفائدة بنسبة 20 % لتهبط إلى 80 % برغم ارتفاع معدل التضخم إلى مايزيد عن 250 % وعلي عكس توجيهات صندوق النقد الدولي الذي يطالب حكومة بوينس أيرس بتشديد السياسة النقدية والاستمرار في رفع أسعار الفائدة غير أن تباطؤ تسارع التضخم الشهري في فبراير الماضي كان الدافع وراء تقليص معدلات الفائدة بالتزامن مع ارتفاع عملة البيزو المحلية مقابل الدولار الأميركي في السوق الموازية.
قرار البنك المركزي الأرجنتيني بخفض أسعار الفائدة بواقع 20 % يتفق مع تباطؤ تسارع التضخم الشهري
وأكد المحللون في البنك المركزي الأرجنتيني أن تخفيف السياسة النقدية وخفض أسعار الفائدة بواقع 20 نقطة مئوية يتفق مع تباطؤ تسارع التضخم الشهري في فبراير ويتزامن مع ارتفاع عملة البيزو المحلية مقابل العملة الأميركية في السوق السوداء.
وذكرت قناة CNBC أن إجراء البنك المركزي الأرجنتيني بخفض أسعار الفائدة يأتي على الرغم من ارتفاع معدل التضخم السنوي في البلاد أعلى من 254% في يناير ووسط توقعات بأن يتجاوز التضخم 280 % هذا العام.
اتجاه البنك المركزي الأرجنتيني بتنفيذ التيسير النقدي وخفض أسعار الفائدة يتناقض مع توجيهات الصندوق
ويرى محللون في مراكز بحثية عالمية أن اتجاه البنك المركزي الأرجنتيني بتنفيذ خطوة التيسير النقدي من خلال خفض أسعار الفائدة يتناقض مع توجيهات شهر فبراير الماضي التي قدمها صندوق النقد الدولي في مراجعته الأخيرة لبرنامج دعم الأرجنتين البالغة قيمته 44 مليار دولار.
ولم ينفذ البنك المركزي الأرجنتيني توجيهات صندوق النقد الدولي برفع أسعار الفائدة برغم أن قروض بوينس آيرس تمثل 30% من إجمالي قروض صندوق النقد الدولي لتمثل الأرجنتين نموذج لفشل برامج الإصلاح الاقتصادي وسوء الإدارة لتتفاقم أزمة بوينس آيرس نتيجة محصلة سنوات من السياسات الخاطئة لتصبح أكبر خطيئتين يمكن أن ترتكبها الحكومات هما الاقتراض بلا هدف تنموي وطباعة العملة بلا حدود.
إجراء البنك المركزي الأرجنتيني يجعل الأرجنتين نموذجًا لفشل برامج الإصلاح وسوء الإدارة
ويأتي إجراء البنك المركزي الأرجنتيني ليجعل الأرجنتين مع الأسف نموذجًا لفشل برامج الإصلاح وسوء الإدارة، ووصفة لكيف تدمر اقتصاد دولة كان من المفترض أن تكون من أقوى دول أميركا الجنوبية لتظهر أزمة الارجنتين الناجمة عن محصلة لسنوات من السياسات الخاطئة وصلت بها إلى أن عملتها أصبحت لا قيمة لها، ونسبة التضخم تتجاوز اليوم 250 % ووصلت إلى 300% في بعض السنوات الماضية، ونسبة الفقر 40%.
وإذا كانت التجربة الأرجنتينية يمكن أن تنتج نتيجة إيجابية واحدة؛ فهي أن نتعلم منها ماذا لا يجب أن نفعله حتى لا نصل إلى نفس النتيجة الكارثية بعد أن اقترضت الحكومة بلا حدود وبلا هدف تنموي، وطباعة العملة بلا سقف تصبح أسرع وصفة إلى التضخم الذي يؤدى إلى كارثة اقتصادية.
رئيس جديد غير تقليدي في الأرجنتين ثالث أكبر دولة في أميركا اللاتينية
و انتخبت الأرجنتين ثالث أكبر دولة في أميركا اللاتينية في نوفمبر الماضي رئيسًا جديدًا غير تقليدي- الرئيس خافيير مايلي- وهو لا يؤمن بالمرة بالنظام الاشتراكي، بل يراه مرادفا للفقر، ويريد أن يطبق نظامًا رأسماليًا عنيفًا، يقوم فيه بخصخصة كل المرافق وإلغاء العملة الأرجنتينية و"دولرة" الدولة وإلغاء البنك المركزي الأرجنتيني وتقليص عدد موظفي الحكومة وإلغاء الدعم على كل شئ ويترقب العالم كيف ستكون تجربة مايلي الجديدة في الأرجنتين التي باتت حقل تجارب للنظريات الاقتصادية وبرامج الإصلاح، وربما يكون الشيء الإيجابي الذي يعد في صالح الرئيس الجديد هو أنه لم يعد لدى الـ 45 مليون مواطن أرجنتيني شيئًا يخسروه.
بدأت أزمة الأرجنتين منذ عام 1946 بسبب سياسة الدعم
وبدأت أزمة الأرجنتين منذ عام 1946، مع تولي الجنرال خوان بيرون، السلطة، ليتبع سياسات اشتراكية تدعم فيها الدولة الطبقة الفقيرة من خلال دعم السلع الاستراتيجية مثل الوقود، ورفع الرواتب الحكومية والإنفاق الاستهلاكي، إلى جانب اتباع نوع من العزلة السياسية عن العالم مثل ما هو حال كل الدول الاشتراكية.
واتجهت الأرجنتين خلال السنوات التي تلت ذلك إلى الاقتراض بنهمٍ شديد؛ للإنفاق على الدعم والرواتب، ولم توجه هذه الأموال إلى المشروعات ذات العوائد ولا حتى على البنية التحتية، ولكي تستطيع الحكومات المتعاقبة تلبية نفس نمط الإنفاق اضطرت إلى طباعة العملة (البيزو)؛ لكي توفر الأموال اللازمة وخلال السنوات الماضية تخلفت الأرجنتين عن سداد الديون عدة مرات، ولم تتبق أية جهة ترغب في إقراضها سوى صندوق النقد الدولي فقط.
قرض الصندوق بقيمة 57 مليار دولار عجز عن خروج الأرجنتين من الأزمة
و منح الصندوق البنك المركزي الأرجنتيني حتى عام 2018 قرضًا بقيمة 57 مليار دولار لدعم خطة الرئيس ماوريسيو ماكري للإصلاح، إلا أن القرض الكبير لم يفلح في خروج الأرجنتين من الأزمة، بل جعل منها أكبر مدين للصندوق؛ إذ تصل قيمة قروض الأرجنتين من صندوق النقد الدولي اليوم إلى 45 مليار دولار، أي أكثر من ضعف ما تدين به مصر، ثاني أكبر مدين للصندوق.
ولم يساعد أي قرض في علاج أزمة الأرجنتين لأن القروض أصلًا جزء من الأزمة، هذا إلى جانب انغماس الدولة في نظام اقتصادي ريعي قائم على دعم السلع، أي أن الدولة تدعم أسعار السلع الرئيسية، فلا يدفع المواطن سعرها الحقيقي وعندما تطبق الدولة هذا النظام يصبح من الصعب التخلي عنه؛ لأن رفع الدعم يعني رفع الأسعار على المواطنوبالتالي المزيد من التضخم، وحتى تستطيع أن تخرج من مستنقع الدعم والرواتب الحكومية يجب أن تدمر طبقات من المجتمع، أي مزيد من عدم الاستقرار.
عملة الأرجنتين تتداول في السوق السوداء بثلث السعر الرسمي
وباتت عملة الأرجنتين تتداول في السوق السوداء بنحو ثلث السعر الرسمي، وعلى الرغم من أن السوق السوداء في الارجنتين مجرّمة، إلا أن الحكومة تختار غض الطرف، حتى أن تجار العملة ينتشرون في الطرقات أمام أعين رجال الشرطة، فالسوق السوداء أصبحت جزءًا من المنظومة الاقتصادية بل أن الحكومة نفسها لجأت الى إقرار عدة أسعار للدولار.
وعلى سبيل المثال سعر الصويا أكبر الصادرات الأرجنتينية للخارج، حيث يبلغ حجم صادرات الأرجنتين من فول الصويا سنويًا قرابة 9 مليارات دولار، والحكومة تفرض على المزارع ضريبة 33% على عائداته من بيع الصويا، ثم عليه أن يحول ما تبقى من دولارات في البنوك بالسعر الرسمي وبالطبع يفضل المزارعون عدم بيع المحاصيل؛ لأن هذا يمثل خسارة لهم، مما اضطر الحكومة إلى إقرار سعر للدولار خاص لمزارعي الصويا باسم دولار الصويا.