الأحد، 22 ديسمبر 2024 07:32 م
رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
بدور ابراهيم
عاجل
حول العالم

رحلة صعود الصين بدأت تتحول إلى الاتجاه المعاكس

الأربعاء، 22 نوفمبر 2023 03:41 م
رحلة صعود الصين بدأت تتحول إلى الاتجاه المعاكس
رحلة صعود الصين بدأت تتحول إلى الاتجاه المعاكس

في تحول تاريخي، تتراجع رحلة صعود الصين قوةً اقتصادية عُظمى، فبعد فترة من الركود في عهد ماو تسي تونج في الستينيات والسبعينيات، انفتحت الصين على العالم في الثمانينيات، وحققت نموًا متسارعًا في العقود التالية، وارتفعت حصتها في الاقتصاد العالمي بما يقرب من عشرة أضعاف من أقل 2 % في سنة 1990 إلى 18.4 % في سنة 2021، ولم تشهد أي دولة نموًا سريعًا وكبيرًا إلى هذا الحد، ثم بدأ التراجع، ففي سنة 2022 تقلصت حصة الصين من الاقتصاد العالمي قليلًا، وهذا العام ستتقلص بشكلٍ لافت إلى 17 %، وهذا الانخفاض بنسبة 1.4 % على مدى عامين هو الأكبر منذ الستينيات.

رحلة صعود الصين.. الاقتصاد العالمي سينمو بمقدار 8 تريليونات دولار في 2022 و2023 ليصل إلى 105 تريليونات دولار

وتجدر الملاحظة أن هذه الأرقام مُعبر عنها بالقيمة «الاسمية» للدولار، من دون مراعاة معدل التضخم، وهو المقياس الذي يبرز بدقة القوة الاقتصادية النسبية للدولة، وكانت الصين تسعى إلى استعادة المكانة الإمبراطورية التي كانت تحتلها من القرن السادس عشر وحتى أوائل القرن التاسع عشر، حينما بلغت حصتها من الناتج الاقتصادي العالمي ذروتها عند الثلث، ولكن هذا الهدف قد يكون بعيد المنال.

وقد ُتعيد رحلة تراجع الصين ترتيب العالم، فمنذ التسعينيات، نمت حصة البلاد من مجمل الناتج المحلي العالمي بشكل أساسي على حساب أوروبا واليابان، اللتين شهدتا ثبات حصصهما إلى حد ما في العامين الماضيين، بينما ملأت الولايات المتحدة بشكل رئيس ومعها دول ناشئة أخرى الفجوة التي تركتها الصين.

إن التوقعات تشير إلى أن الاقتصاد العالمي سينمو بمقدار 8 تريليونات دولار في 2022 و2023 ليصل إلى 105 تريليونات دولار، ولن تُسهم الصين في أي من هذه الزيادة، بينما ستُمثل الولايات المتحدة نسبة 45 %، والاقتصادات الناشئة بنسبة 50 في المئة، وستأتي نصف هذه الزيادة للدول الناشئة من خمس دول فقط: الهند وإندونيسيا والمكسيك والبرازيل وبولندا.

وهذه علامات لافتة للتحولات المحتملة في القوى في المستقبل، مع العلم بأن تراجع حصة الصين من مجمل الناتج المحلي العالمي بالقيمة الاسمية لا يعتمد على مصادر مُستقلة أو أجنبية، وقد نشرت الأرقام الاسمية جزءًا من بيانات مجمل الناتج المحلي الرسمية، ولذا، فإن تراجع صعود الصين يأتي استنادًا إلى حسابات بكين نفسها.

ويرجع أحد الأسباب وراء عدم ملاحظة الكثيرين لهذا التراجع إلى أن معظم المحللين يركزون على معدل النمو الحقيقي لمجمل الناتج المحلي، الذي يكون مُعدلًا وفقًا لنسبة التضخم.

وبتعديل ذكي مع حساب التضخم، تمكنت بكين فترة طويلة من الإعلان أن النمو الحقيقي يُحقق باستمرار هدفه الرسمي الذي يكون بحدود 5%، وهذا بدوره يبدو كأنه يؤكد، كل ربع سنة، القصة الرسمية أن «الشرق يواصل رحلة الصعود»، ولكن معدل النمو الحقيقي طويل الأجل للصين أقرب ما يكون إلى 2.5 في المئة فقط، ما يُمثل مجموع العمال الجدد الذين يدخلون سوق العمل وإنتاج كل عامل.

لقد أدّى التراجع المستمر في معدل المواليد في الصين إلى خفض حصتها من عدد السكان في سن العمل على مستوى العالم من ذروتها التي بلغت 24 في المئة إلى 19%، ومن المتوقع أن تنخفض إلى 10% على مدى الـ35 عامًا المقبلة.

رحلة صعود الصين.. مجمل الناتج المحلي في طريقه للانخفاض في سنة 2023

ومع تقلص حصتها من العاملين على مستوى العالم، فمن المؤكد أن حصتها من النمو ستكون أصغر. وعلاوة على ذلك، فإنه في العقد الماضي، أصبحت الحكومة الصينية أكثر تدخلًا، وديونها أصبحت مرتفعة إلى مستوى تاريخي بالنسبة إلى دولة نامية، وهذه القوى تؤدي إلى تباطؤ نمو الإنتاج، الذي يقاس استنادًا إلى إنتاج كل عامل.

وهذا المزيج، المؤلف من قلة العمالة والنمو الضعيف في إنتاج كل عامل، سيجعل من الصعب للغاية على الصين البدء باستعادة حصتها في الاقتصاد العالمي. وبالقيمة الاسمية للدولار، فإن مجمل الناتج المحلي الصيني في طريقه للانخفاض في سنة 2023، وذلك المرة الأولى منذ الخفض الكبير لقيمة رنمينبي في سنة 1994.

ونظرًا للقيود المفروضة على الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، يُمكن لبكين في السنوات المقبلة استعادة حصتها العالمية فقط بزيادة كبيرة في معدلات التضخم أو قيمة رنمينبي، ولكن حدوث أي منهما غير مُحتمل.

وهكذا، فإن رحلة صعود الصين تعد واحدًا من الاقتصادات القليلة التي تعاني الانكماش، وتواجه في الوقت نفسه أزمة عقارية تُغذيها الديون، والتي تؤدي عادةً إلى خفض قيمة العملة المحلية.

رحلة صعود الصين، حيث يقوم المستثمرون بسحب أموالهم من الصين بوتيرة غير مسبوقة، ما يزيد الضغوط على رنمينبي، فقد قلص الأجانب استثماراتهم في المصانع الصينية والمشروعات الأخرى بمقدار 12 مليار دولار في الربع الثالث، وهو أول انخفاض من نوعه منذ بدء التسجيل، كما أن المستثمرين المحليين، الذين غالبًا ما يفرون من السوق المضطربة قبل الأجانب، يغادرون أيضًا، ويتجه المستثمرون الصينيون للاستثمار في الخارج بوتيرة سريعة، ويجوبون العالم بحثًا عن صفقات عقارية.

وكان الرئيس الصيني شي جين بينج عبر في الماضي عن ثقته اليقينية بأن التاريخ يتحول لمصلحة بلاده، التي لا يُمكن لشيء أن يوقف صعودها.

واجتماعاته مع جو بايدن وكبار المديرين التنفيذيين الأمريكيين في قمة «ابيك» قبل أيام في سان فرانسيسكو لم تُلمح إلى أي اعتدال، أو على الأقل اعتراف بأن الصين لا تزال بحاجة إلى شركاء تجاريين أجانب، ولكن بغض النظر عما يفعله الرئيس الصيني، فمن المرجح أن تتراجع حصة بلاده في الاقتصاد العالمي في المستقبل المنظور، ويبدو أننا في عالم ما بعد الصين.